مآل قيمة معارف الإخباريين والقُصّاص    الصندوق السعودي للتنمية يموّل مستشفى الملك سلمان التخصصي في زامبيا    مهرجان الرياض للمسرح يبدع ويختتم دورته الثانية ويعلن أسماء الفائزين    اجتثاث الفساد بسيف «النزاهة»    أميّة الذكاء الاصطناعي.. تحدٍّ صامت يهدد مجتمعاتنا    سورية الجديدة.. من الفوضى إلى الدولة    خادم الحرمين يهنئ رئيس المجلس الرئاسي الليبي بذكرى استقلال بلاده    إحالة 5 ممارسين صحيين إلى الجهات المختصة    99.77 % مستوى الثقة في الخدمات الأمنية بوزارة الداخلية    الأمن.. ظلال وارفة    عبقرية النص.. «المولد» أنموذجاً    مطاعن جدع يقرأ صورة البدر الشعرية بأحدث الألوان    نائب أمير مكة يفتتح ملتقى مآثر الشيخ بن حميد    ضيوف برنامج خادم الحرمين يؤدون العمرة    «كليتك».. كيف تحميها؟    3 أطعمة تسبب التسمم عند حفظها في الثلاجة    «إسرائيل» ترتكب «إبادة جماعية» في غزة    التحليق في أجواء مناطق الصراعات.. مخاوف لا تنتهي    من «خط البلدة» إلى «المترو»    أهلا بالعالم    ليندا الفيصل.. إبداع فني متعدد المجالات    كرة القدم قبل القبيلة؟!    قائمة أغلى عشرة لاعبين في «خليجي زين 25» تخلو من لاعبي «الأخضر»    فِي مَعْنى السُّؤَالِ    122 ألف مستفيد مولهم «التنمية الاجتماعي» في 2024    ضبط شخص افتعل الفوضى بإحدى الفعاليات وصدم بوابة الدخول بمركبته    دراسة تتوصل إلى سبب المشي أثناء النوم    ثروة حيوانية    تحذير من أدوية إنقاص الوزن    رفاهية الاختيار    النائب العام يستقبل نظيره التركي    5 مشاريع مياه تدخل حيز التشغيل لخدمة صبيا و44 قرية تابعة لها    حرس الحدود بجازان يدشن حملة ومعرض السلامة البحرية    ضرورة إصدار تصاريح لوسيطات الزواج    استثمار و(استحمار) !    وسومها في خشومها    وانقلب السحر على الساحر!    منتخبنا كان عظيماً !    الضحكة الساخرة.. أحشفاً وسوء كيلة !    الأخضر يستأنف تدريباته استعداداً لمواجهة العراق في خليجي 26    نيابة عن "الفيصل".. "بن جلوي" يلتقي برؤساء الاتحادات الرياضية المنتخبين    اختتام دورات جمعية الإعاقة السمعية في جازان لهذا العام بالمكياج    إحباط تهريب (140) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر في جازان    وزير الدفاع وقائد الجيش اللبناني يستعرضان «الثنائية» في المجال العسكري    آل الشيخ: المملكة تؤكد الريادة بتقديم أرقى الخدمات لضيوف الرحمن حكومة وشعبا    موارد وتنمية جازان تحتفي بالموظفين والموظفات المتميزين لعام 2024م    "التطوع البلدي بالطائف" تحقق 403 مبادرة وعائدًا اقتصاديًا بلغ أكثر من 3مليون ريال    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الاجتماع الاستثنائي ال (46) للمجلس الوزاري لمجلس التعاون    حلاوةُ ولاةِ الأمر    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    وطن الأفراح    46.5% نموا بصادرات المعادن السعودية    التخييم في العلا يستقطب الزوار والأهالي    مسابقة المهارات    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    الزهراني وبن غله يحتفلان بزواج وليد    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أجل حياة بدون عنف
نشر في نجران نيوز يوم 23 - 06 - 2011


السلام له جذور ضاربة في أعماق الإنسانية
الحروب ليست قدرنا فمستقبلنا هو السلام
حينما سئل المؤرخ الشهير هيرودوت عن الحرب والسلام قال‏:‏ " في السلم ينعي الأبناء آباءهم‏,‏ أما في الحرب فان الأباء هم الذين يوارون أبناءهم الثري‏,‏ فأوقات السلم اطراد لسنه الحياة وتوالد الأحياء‏,‏ وأوقات الحرب تدور فيها عقارب الساعة إلي الوراء‏ "( )‏ 0
ومع ذلك فان نشاط القوي المناهضة للسلام والداعية إلي الحرب لم ينقطع علي مر التاريخ‏,‏ ويبدو أنها تصبح أكثر يقظة حينما يسود العالم مناخ تتساوي فيه فرص الحرب واحتمالات السلام‏0
وعندما تنطفيء نار الحرب‏,‏ وتتوقف أعمال العنف‏,‏ وتنسجم العلاقة بين الشعوب يكون السلام قد ساد الأجواء‏..‏ ومع أن السلام يشكل مطلبا مهما للأمم فان البشرية قلما نعمت بأجوائه‏,
‏ إن السلام من الشروط الأساسية للحياة الإنسانية فبدونه لا تكون هناك تنمية ولا تحسين مستوي المعيشة ولا حماية لموروثاتنا وبيئتنا‏.‏ والسلام بهذا المفهوم لا يكون فقط حالة لا حرب وإنما هو التواصل بين الناس وتشجيع الأشخاص علي استغلال قدراتهم‏,‏ أنها حالة نظام يكون العدل والقانون هما القاعدة التي يجب احترامها‏0
فهناك نحو‏110‏ ملايين لغم مدفون في العديد من البلاد التي عانت من ويلات الحروب‏.‏ وفي الوقت الذي يدفع فيه العالم المتحضر يوميا بلايين الدولارات للإعداد للحروب ويموت الأطفال من الجوع في مناطق أخري من العالم‏,‏ والملايين منهم يعيشون في بيئة موبوءة بالأمراض والميكروبات مثل الملاريا والإيدز والسرطان0
وما نود أن نؤكده هو انه لن تقوم قائمة لأي انسجام حضاري ما لم تكن لغة الحوار كأساس للتواصل مبنية علي رغبة جميع الأطراف في فهم الأخر كما يجب أن يكون لدي الجميع القدرة علي استيعاب الصورة الحقيقية لأي حضارة حتي وان وجد الاختلاف‏0
وهنا تكمن الشجاعة‏,‏ حيث الإصرار علي فهم وقبول الأخر في الوقت ذاته وهو ما يجب أن نعمل من اجله ، حيث يصبح بذل المزيد من الجهد للتعريف بحضارتنا العربية الإسلامية أمرا لا رجعة فيه لنثبت بالفعل لا بالقول أن حضارتنا بإمكانياتها الفكرية والروحية والثقافية والبشرية ابعد ما تكون عن العنف والكراهية واللامبالاة‏.‏0
إن العالم لابد أن يعيش في سلام‏,‏ حيث نتمني أن يعيش أولادنا في عالم أفضل‏,‏ ويجب علينا أن نربي أولادنا علي مبادئ نشر السلام‏,‏ والتسامح والمودة ( )هي دائما الأقدر علي نشر السلام .
من أجل تغير ثقافة الحرب بثقافة السلام
ربما أمكن تعريف السلام بأنه حالة يخلو فيها العالمُ من الحروب والنزاعات، أو بأنه حالة من الأمن والاستقرار تسود العالم وتتيح التطور والازدهار للجميع. قد يبدو ذلك حلمًا طوباويًّا بعيد المنال؛ إذ لا تخفى حالةُ العالم اليوم على أحد!
كلُّنا يتوق إلى الأمن والسلام، وكلُّنا يدَّعي أنه يعمل من أجل الحرية والسلام والتقدم. لكن أخطر ما يحدث اليوم أن الحروب تُشَنُّ باسم هذه القيم – نعم، تُشَنُّ الحروبُ باسم حقوق الإنسان! تُشَنُّ الحروب باسم الديمقراطية! تُشَنُّ الحروب باسم السلام! أكثر من ذلك، يحلو لبعضهم الظهورُ بمظهر الحكماء، فيطرحون منطق غريب قائلين: "إنْ أردتَ السلام فاستعد للحرب"! ( ) 0
وبعد، فأين نحن من السلام ؟ – السلام الحقيقي؛ السلام الذي يأبى سَفْكَ الدماء ويرفض التدمير؛ السلام الذي تعزِّزُه المحبةُ ويعزِّزُ المحبةَ؛ السلام الذي هو أصل كلِّ حضارة وكلِّ تقدُّم0
لقد آن الأوان لنَقْدِ مفاهيمنا وتغييرها عن الحرب والسلام، عن العنف والعنف المضاد، عن دوامات العنف التي لا تنتهي: " العين بالعين، ويصبح الجميع أعمى..." (غاندي) ( ) لقد دامت الحرب الأهلية اللبنانية عشرين عامًا، فخرج الجميعُ خاسرًا. أجل، لقد آن الأوان لوضع أسُسٍ جديدة لثقافة السلام 0.
قد يكون تفكيكُ بنية العنف وثقافة، أو ثقافات، العنف هي الخطوة الأولى المطلوبة؛ وتفعيل، في مؤازارة ذلك، دورِ نشطاء السلام الذين يبثُّون الوعي – وعي السلام – وينبِّهون إلى مخاطر الحروب اللامحدودة؛ وإفساح المجال أمام جمعيات المجتمع المدني لتعمل، إلى جانب مؤسَّسات الأمم المتحدة، على درس وتفهم أبعاد النزاعات القائمة، ووضع الحلول والمقترحات، والتدخل بشفافية من أجل وضح حدٍّ لهذه النزاعات، والتدخل الفاعل والفعال من أجل صنع السلام0.
كلُّ ذلك يتطلب دراسة العنف، ودراسة الوضع العالمي أيضًا، من منظور كلِّي ، إذ لا يكفي النظر إلى العالم على أنه منظومة من العلاقات بين دول أو مجموعات من الدول؛ فالعالم وحدة عضوية، حية، مترابطة ، ما يحدث لدولة ما، أو ما يصيب مجتمعًا بعينه، سينعكس بشكل ما، عاجلاً أم آجلاً، على الجميع.
ثقافة السلام تضع أسُس البقاء والاستمرار والالتقاء والتطور
لقد شهدنا التعاطف والتضامن الذي ينشأ بين الدول والمجتمعات عند حدوث كارثة طبيعية؛ شهدنا المظاهرات التي تعمُّ الأرض كلما خيَّم شبح الحرب على العالم؛ عرفنا القلق والرعب "الكوكبي" عند انتشار فيروس في مدينة ما من الصين أو أفريقيا؛ شاهدنا الآثار، القريبة والبعيدة، مكانيًّا وزمانيًّا، لكارثة تشرنوبيل؛ عرفنا الآثار، القريبة والبعيدة، لغرق سفينة تنقل البترول في المحيط؛ عرفنا الآثار الاقتصادية لانهيار عملة، في الغرب أو في الشرق، على الاقتصاد العالمي. ومَن منَّا لم يحمر خجلاً عند اكتشاف المقابر الجماعية في يوغوسلافيا السابقة أو رواندا أو العراق؟! 0
لا يمكن اليوم لأيٍّ منَّا أن يدير ظهره لما يحدث في أيِّ مكان في العالم؛ لا يمكن لأيٍّ منَّا أن يدير ظهره لما يحدث لأخيه الإنسان: لم يعد مقبولاً القول إن ما يحدث في بلد ما، أو بين بلدين، هو شأن داخلي؛ لا يُعقَل بعد اليوم أن نتجاهل المجاعة والمرض والظلم والاضطهاد والقمع والمجازر والحروب والتطهير العرقي؛ ولا يمكن السكوت عن أيِّ أذى يلحق بأمِّنا الأرض. فما يُرتكَب بحقِّ الإنسان يُرتكَب بحقِّ كلٍّ منَّا؛ وما يرتكبه الإنسانُ يرتكبه كلٌّ منا0
لقد باتت أسلحة الدمار الشامل والسلاح النووي حقيقة قائمة، بل كابوس ثقيل يهدِّد بتدمير البشرية عن بكرة أبيها. لا بدَّ من وضع المسؤولين السياسيين والعسكريين، وحتى العلماء، في مواجهة هذه الحقيقة وخطر أن يفلت زمامُ الأمور في ظرف تاريخي ما فيتدهور الوضع. إن التعامل بشفافية مع هذا الخطر يستدعي قيام كلِّ الدول والحكومات، دون استثناء، بالكشف عما تملكه وتعدُّه من هذه الأسلحة، ووضع القوانين لإيقاف تصنيعها، ومن بعدُ وضع الخطط لتدميرها. في عالم يستعد للسلام، لا بدَّ من مراجعة دور المؤسَّسات العسكرية، والمطالبة بتحديد ميزانيتها، وتحويل الأموال إلى مشاريع التنمية المستدامة، ومعالجة مسائل الفقر والإنتاج في الدول الفقيرة ومشاكل البيئة والتصحر ( ) 0
إن حلُّ النزاعات بالوسائل السلمية يعني الوصول إلى تغيير جذري وحقيقي في موقف الأطراف المتنازعة ، فحفظُ السلام يعني إيقاف الاقتتال، ووقف إزهاق الأرواح وتدمير الممتلكات والمقدَّرات والثروات. أما صنع السلام ، كمرحلة تالية، فهو البحث الخلاق عن حلول واقعية وناجعة ودائمة للنزاعات: أولاً، من خلال جمع الزعماء والقادة على طاولة المفاوضات؛ وثانيًا، بالانتقال إلى العمل في العمق، أي تغيير الرأي العام باتجاه العمل السلمي، والضغط على القادة في هذا الاتجاه. وهنا يبرز دورُ نشطاء السلام في بثِّ هذا الوعي، باستخدام ما تتيحه التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة لتفعيل هذا الدور ولِلَفْتِ الرأي العام إلى فوائد السلام الآنية والمستقبلية. وستساهم ثقافةُ السلام في بناء السلام الثابت والدائم، لأنها ستغير من أسُس العنف الاجتماعية والإيديولوجية والدينية والسياسية والعرقية0
قلا يمكن فصل بناء السلام عن ثقافة السلام ، لأن السلام ليس بنية نهائية. فثقافة السلام تجعل من السلام بنية دينامية، تمنع نشوء النزاعات أو تجعل حلَّها ممكنًا بالطرق السلمية، دون اللجوء إلى العنف؛ وبالتالي فإن الحالة التي ترمي ثقافةُ السلام للوصول إليها تستغني عن الحاجة إلى قوات لحفظ السلام. فثقافة السلام تغيِّرنا من الداخل، وصولاً إلى حالة يتحلَّل فيها العنفُ البنيوي، ليعبِّر الإنسان عن طبيعته الجوهرية التي تضعه على سكة التطور الطبيعي صوب غاية الوجود ( )0
نأمل في المستقبل القريب – وأظننا في الطريق إلى ذلك – الوصولَ إلى حلِّ كلِّ النزاعات بالطرق السلمية، وتفعيل دور المؤسَّسات الدولية والأمم المتحدة على أسُس القانون الدولي، بالتعاون وبدافع من منظمات المجتمع المدني ونشطاء السلام الذين يتدخلون في حلِّ النزاعات، ليس على أسُس المصلحة السياسية، ولا على أسُس القانون الدولي. إن قانونهم الأساسي هو قانون داخلي، قانون الدفاع عن الضحايا – لأن الضحايا هم نحن! 0
إن العمل من أجل السلام قائم وحقيقي. وعلينا تعميقه وتوسيعه، والعمل المستمر من أجل ذلك دون ملل أو كلل، ودون أن نترك لليأس مكانًا في نفوسنا. قد تبدو آفاق السلام بعيدة، ولكننا نسير صوبها بخطى ثابتة ومتسارعة0
إن الوصول إلى عالم يخلو من النزاعات هي حالة السلام السلبي؛ ونحن نطمح إلى الوصول إلى حالة السلام الإيجابي الذي لا تنشأ فيه نزاعات. وإن ظهرتْ نزاعاتٌ حُلَّتْ بالطرق السلمية, فحالة السلام تحقق التطور الديناميَّ الفاعل، الروحي والمادي, فثقافة السلام تنتظر مساهمة الجميع0
فضيلة التسامح وقبول الأخر
يسجل مفهوم التسامح حضوره في عمق التجربة الإنسانية، ويتبدى في صيغ تتنوع بتنوع المجتمعات الإنسانية في إطار الزمان والمكان والمراحل التاريخية. لقد عرفت الحضارات الإنسانية مفهوم التسامح وما يقابله من مفاهيم العنف والعدوان، وقد تجلى هذا المفهوم في مختلف الآداب الفكرية للأديان السماوية السمحاء والأديان الوضعية.
كما أننا نلحظ الترابط المتسق بين مفهوم التسامح والسلام على أساس أن هذا الأخير لن يرسخ كثقافة إلا بوجود الأول. فالتسامح شرط ضروري للسلم ما بين الأفراد كما بين الشعوب وهو بمثابة "التوابل" اللازمة لكل ثقافة للسلام.
فالتسامح هو قبول الآخر على علاّته وعلى اختلافه والاعتراف بحقوقه في الوجود والحرية والسعادة ، فالإنسان ليس شريراً بطبعه وإنما هو شرير عندما تقتضي الحاجة إلى الشر والعنف والغلبة والقهر أمور ترتبط بالشروط الاجتماعية للوجود الإنساني0
وبالنتيجة فإن التسامح يعبر عن صيغة احترام مشاعر ومعتقدات الآخرين، أي معاملة الآخرين كبشر بصرف النظر عن ألوانهم وانتماءاتهم الدينية والعرقية والمذهبية أو خلفياتهم الاجتماعية وعكس التسامح هو التعصب.
وتعد العنصرية والعرقية والعدوان أشكالاً تتنافى مع مبدأ التسامح، فالنوع البشري يتألف من رجال ونساء، ولكن من الواضح أنهم جميعاً آدميون، ومع ذلك فهناك كثيرون ينكرون التنوع الموجود في الطبيعة ويدعون أن هناك جنساً أسمى وهو بالطبع جنسهم.
إن مهمة التسامح هي تأمين التعايش في إطار التباين، ومن ثم، الحفاظ عليها وحماية ما تنطويان عليه من مضامين اجتماعية للوجود الإنساني. إن التسامح لا يمنع ألوان المعارضة والاختلاف بل ولا الصراعات ولكنه يعترف بأن تأكيد الذات يقتضي الاعتراف بالآخر، أي الاعتراف بالآخر من حيث مشابهته الأساسية سواء بسواء. "فالاعتراف" بالآخرين وبالذات بنزاهة، ذلكم هو التسامح بالمعنى الأنبل. وبالتالي فإن الحفاظ على الفوارق والتعارض، وحتى على الخصومات، يشكل شرط التسامح( )0
نستخلص أن مفهوم التسامح يرتبط ارتباطاً عميقاً بمفهوم السلام فالسلام هو لازمة طبيعية لمفهوم التسامح فإذا كان السلام هو غياب الحرب ووجود الأمن فإن هذا يعني وجود التسامح كضرورة حيوية لمفهوم السلام. وهذا يعني في نهاية المطاف أن التسامح والسلام هما مفهوم واحد بوجهين متشابهين إلى حد كبير. والعنف في النهاية هو الصيغة اللغوية التي تقابل مفهوم التسامح فالعنف هو نقيض التسامح، وذلك لأن التسامح هو التصور الذي يتنافى مع أي ممارسة للعنف والقسر والتسلط والعدوان 0
الملك عبد الله بن عبد العزيز .. ملك الحوار الإنساني
إن خادم الحرمين الملك عبد الله – حفظه – الله منذ أن تولى الحكم ركز على مصطلح التفاهم والسلام والحوار أن الملك عبد لله ترجم هذه المفاهيم على أرض الواقع من خلال العديد من المبادرات كمبادرته للسلام لحل الصراع العربي الإسرائيلي وكذلك مبادرة حوار الحضارات وحوار الأديان إضافة إلى دعوته للإصلاح بين الإخوة الفلسطينيين في اتفاق مكة والمصالحة العربية التي كسر فيها رتابة العلاقات العربية العربية ( ) .
إن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله كان قد سبق الآخرين في دعوته إلى عالم بدون صراعات دينية وعرقية وعنف وذلك من خلال مشروعه حفظه الله وتبنيه للحوار العالمي بين الأديان والثقافات التي تنمي لها البشرية جمعاء.
وهو حفظه الله يعرف بهذه الدعوة أن تاريخ الصراعات الإنسانية في معظمه وعلى مدى التاريخ يعود في جذوره إلى الصراعات الدينية والثقافية التي تغذي النزعات العرقية وتتغذى بها ويعرف حفظه الله أن نزع فتيل الصراعات الدينية يسبق حتى نزع الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل عموما.
ومن هنا تأتي أهمية دعوة خادم الحرمين الشريفين للحوار بين الأديان والثقافات. ومن هنا أيضا تأتي استجابة ممثلي الأديان السماوية والثقافات والعبادات الأخرى لندائه حفظه الله.
أن خطابه يرتكز دائما على التعايش والحوار والسلام والإخاء ، بوقوفه دائما مع الحق فخادم الحرمين عودنا دائما أن صوته الصوت الحق فيقف معه دائما ويكره الظلم".
فحرص حفظه الله على إطلاق مبادرة حوار الأديان تحقيقاً لمواقف إيجابية تستهدف دعم السلام والرخاء العالمي في وسط تتعايش فيه الأمم بعيداً عن النزاعات والاختلافات.
إن كل فكرة عبقرية تحمل في طياتها أبعاداً وطاقات كامنة قادرة على تغيير العالم والمفاهيم السائدة فيه، ولا شك أن مبادرة خادم الحرمين الشريفين للحوار بين أتباع الأديان واحدة من هذه الأفكار، وأكبر دليل على ذلك عقد الجمعية العامة للأمم المتحدة جلسة خاصة - شارك فيها العديد من ملوك ورؤساء الدول - لمناقشة هذه المبادرة تحت مسمى "ثقافة السلام".
والسلام هنا هي الكلمة المحورية، فالهدف الأكبر لمبادرة خادم الحرمين الشريفين هو التأكيد على أن الدين لم يكن السبب في الحروب في تاريخ الإنسانية، بل أنه يجب أن يكون أحد أعمدة إقامة السلام على الأرض بين الشعوب أبناء الأديان المختلفة.
فحوار الأديان وتلاقح الحضارات والاعتدال والوسطية. أهم المحاور التي التزم بها الملك عبد الله لتحقيق الشراكة والالتقاء بين الجميع ودون استثناء 0
وفي ذات الوقت تعكس دعوة الملك عبد الله لحوار الأديان يعكس حرصه على الاهتمام بقضايا الأمن والسلام الإقليمي والدولي، ورؤيته أن تسود لغة المحبة والسلام والتعايش والمحبة بين الناس التي يسعى إليها دائماً على كافة الأصعدة، وعززتها سياسة المملكة في تعاطيها مع كافة القضايا التي تواجهها المنطقة والتي باتت تشغل العالم من حولنا.
كما يعكس حرصه واهتمامه بأن تسود العالم روح المحبة والأخوة والتسامح ونبذ الخلافات والحروب، والدعوة إلى تكاتف الأسرة الدولية إلى إشاعة السلام والمحبة بين شعوب العالم على اختلاف الأديان والهويات العرقية.
أن برنامج الملك عبد الله العالمي لثقافة الحوار والسلام يعد مبادرة عملية جديدة وفعّالة لإقامة حوار بين أطراف متعددة وثقافات متعددة ، أن برنامج الملك عبد الله لثقافة السلام والحوار وسيلة تواصل حضارية بين جميع أتباع الأديان والحضارات( ) .
ولذلك ليس من المبالغة القول إن مبادرة خادم الحرمين الشريفين تمثل القول الفصل في إسقاط نظرية صراع الحضارات لأن المبادرة تمس صلب قضية الحرب والسلام على الأرض، وهي قضية من صميم موضوعات علم العلاقات الدولية. فمبادرة الملك عبد الله تتعامل مع مستقبل العلاقات الدولية ، وهي رؤية تنادي بالسلام العالمي وبالتسامي على أخطاء الماضي، وتحمل معاني السماحة والتفاؤل بمستقبل البشرية، كما جاء في خطاب الملك عبد الله في الأمم المتحدة. ( )
وهنا تكمن الأهمية التاريخية لمبادرة خادم الحرمين الشريفين للحوار بين أتباع الأديان ودعوته لأن يكون الدين أحد عوامل بناء السلام على الأرض، ولذلك ندفع بأن مبادرة الملك عبد الله هي القول الفصل في إسقاط نظرية صراع الحضارات.
بقلم / عبد الهادي حسين علي الجاسم
جامعة الدمام
خاص بصحيفة نجران نيوز الالكترونية
المراجع
1- ترسيخ أسس السلام العالمي تفاعل ايجابي بين مختلف الحضارات ،عنوان الدورية: القصيم .- ع107 ( محرم 1426 ، فبراير / مارس 2005 ) .- ص 78 - 80
2- الفكر و الحرب / جان غيتون ؛ ترجمة أكرم ديري ، الهيثم الأيوبي . تاريخ النشر: 1400ه ، 1980م
3- الحرب و المجتمع : تحليل اجتماعي للحروب ونتائجها الاجتماعية و الثقافية والنفسية / جاستون بوتول ؛ ترجمة عباس الشربيني ؛ مراجعة و تقديم محمد علي محمد . تاريخ النشر: 1403ه ، 1983م
4- ثقافة السلام / إعداد عبير بنت محمد بن عبد الله المنيف ؛ إشراف محمد بن شحات الخطيب . تاريخ النشر: 1430 ه ، 2009 م
5- الحروب و الحضارات / تأليف غاستون بوتول ، رينيه كارير ، جان لويس آنيكان ؛ ترجمة احمد عبد الكريم سلسلة منشورات المؤسسة الفرنسية لدراسات الدفاع الوطني ؛ 4 تاريخ النشر: 1404ه ، 1984
6- معضلة الحرب و مصير الإنسان / لترملس ؛ نقله إلى العربية عمر الديراوي الطبعة: ط1
تاريخ النشر: 1382ه ، 1962م
7- معالم السياسة التعليمية في المملكة العربية السعودية ودور مناهجها في إشاعة ثقافة السلام ... / سليمان عبد الرحمن الحقيل ؛ تقديم عبد العزيز الخويطر، تاريخ النشر: 1425 ه 2004 م
الطبعة: ط1
8- العيش الواحد و ثقافة السلام / محمد خليفة صديق عنوان الدورية: الرابطة : فصلية ، إسلامية .- ع461 ( شوال 1424 ، نوفمبر 2003 ) .- ص 40 – 44
9- عبد الله بن عبد العزيز : ملك القلوب و الإنسانية / إعداد و تأليف ماجد مترك الصماخ ؛ تقديم بقلم الأمير مشعل بن عبد العزيز. ، [2009] 1429.
10- جريدة الرياض الجمعة 14 ذي القعدة 1431 ه - 22 أكتوبر 2010م - العدد15460
11- حوار الثقافات و الأديان : من الحوار العقائدي إلى ثقافة الحوار والانفتاح، مؤتمر حوار الثقافات والأديان ، السلسلة : سلسلة الشأن العام في قضايا الناس/ الطبعة: ط11429ه ، 2009
12- الشراكة من اجل السلام : المضمون .. وآفاق النجاح / بقلم عفيف رزق . عنوان الدورية: الحرس الوطني : عسكرية ثقافية شهرية .- س 15 ، ع142 ( ذو الحجة 1414 ، مايو / يونيو 1994 ) .- ص 50 - 52
13- جسور المحبة و السلام : / خالد بن محمد القاسمي . الطبعة: ط1 تاريخ النشر: 1416ه ، 1995م
14- الإسلام دين القوة و السلام- 1 / بقلم محمد جمال الدين محفوظ . عنوان الدورية الحرس الوطني : عسكرية ثقافية شهرية .- س 14 ، ع129 ( ذو القعدة 1413 ، مايو 1993 ) .- ص 78 – 80
15- مستقبل العلاقات الدولية : من صراع الحضارات إلى أنسنة الحضارة و ثقافة السلام / محمد سعدي سلسلة أطروحات الطبعة: ط1 تاريخ النشر: 1427ه ، 2006
16- ألف باء العنف عنوان الدورية: المعرفة : مجلة شهرية .- ع52 ( رجب 1420 ، أكتوبر 1999 ) .- ص 14 - 29
17- الشراكة من اجل السلام : المضمون .. وآفاق النجاح / بقلم عفيف رزق . عنوان الدورية: الحرس الوطني : عسكرية ثقافية شهرية .- س 15 ، ع142 ( ذو الحجة 1414 ، مايو / يونيو 1994 ) .- ص 50 - 52


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.