اعتبر الفيلسوف الألماني (إيمانويل كانت) من وجهة نظر (فلسفية) أنه لا يجب خوض الحرب تحت أي مسمى وذريعة بما فيها الحرب العادلة فطالما خاض الإنسان الحرب لا يبقى عدل. وهذا يصب في الخانة التي أعلنها إبراهيم عليه السلام حينما حرم التضحية بالإنسان، واستبدلها بالقربان الحيواني؛ فكل الحروب هي تقديم قرابين بشرية. وفي كثير من المناسبات يتم الضحك على الأمهات أنهن قدمن أولادهن للحرب بلف التابوت بعلم، وإطلاق الفشك من التفنكات! ودعوة إبراهيم هي إعلان للتوقف عن التضحية بالإنسان وأن تضع الحرب أوزارها، ولكن المسلمين يحجون بدون معرفة معنى كل هذه الرموز، وبدلا من الدعاء للناس بالهداية يشعل الخطباء الحروب في الأرض باللعنة على معظم الجنس البشري أن يخرب ديارهم، وهو ما لم يدعو له إبراهيم. ومنه فإن أعظم شيء فعلته محكمة (نورمبرج) عام 1945 م أنها اعتبرت الحرب أي حرب جريمة من الناحية (القانونية). ولكن الكثيرين يخوضون الحروب، بما يعجز عنه أعتى المجانين في مصحات الأمراض العقلية، بما يعكس عسرة تطور العقل الإنساني. الحرب من الناحية البيولوجية ضد قانون الحياة فبدلاً من أن يدفن الأبناء آباءهم يحصل العكس. والحرب مرض ينبت من تربة الكراهية كما يقول (سكينر) من مدرسة علم النفس السلوكي وأنها تنبت في الرؤوس قبل أن تمارس بالفؤوس. وهي استسلام للدماغ السفلي حيث تعصف الانفعالات ويتعطل المخ العلوي عن ضبط مسار الأحداث. ولعل أهم ميزة لكنيدي في تجنب الحرب النووية عام 1962م أنه وضع أمامه ليس ماذا نتصرف بل كيف نحل المشكلة؟ الحرب هي ذروة العنف لأن فيها القضاء على الإنسان كليا وتصفيته جسديا. والحرب لا تحل مشكلات بل تخلق مشكلات لأن العنف يستجر العنف. والدم يفجر الدم. وكما يرى غاندي في اللاعنف أنه يمتاز بالمحافظة على الطرفين من خلال تفاعل الإرادتين ولكن الحرب هي هرس طرف مقابل نهوض طرف. ومع ذلك فالبشر خلال التاريخ المعروف كانوا يشعلون الحروب بمعدل 13 سنة مقابل سنة واحدة للسلام. وحسب إحصائيات معهد (جاستون بوتول) فإنه خلال مائتي سنة حصل أكثر من 360 نزاعا مسلحا مات فيه أكثر من ثمانين مليون إنسان وفي حرب برلين لوحدها مات ثلاثة ملايين إنسان وفي الجبهة الروسية في الحرب الثانية مات أكثر من عشرين مليون إنسان. فهذا الإنسان القاتل الناطق أمره عجيب. والحاصل، فحيثما نظر الإنسان للمسألة يتعجب من اندلاع الحرب فهل هناك مفتاح لها يوحي بالأمل في الإنسان؟ في الواقع الحرب هي جنون وجريمة إفلاس أخلاقي مهما كان مبررها.