يروي الكاتب عبدالعزيز أبو زيد حكاية «البناء القديم» في «جدة» القديمة التي يصفها بأنها «مدينة الألف مهنة». ويحاول أبو زيد إنصاف «معلم البناء البلدي»، معتبراً إياه من أبرز رجالات جدة في الماضي، ومن عباقرتها، بما تركه من لوحات إبداعية شكلت متحفاً هوائياً مفتوحاً لكل زائر يقرأ تاريخ عروس البحر، ويستمتع بالتعرف على ملامح تراثها وحياة أهلها القدماء، ويتمعن في حفريات الماضي السحيق. ومن أجل هذا يقدم الكاتب إصداره الجديد «المعماريون في جدة القديمة»، في محاولة منه لاستكمال مشروع ثقافي بدأه بكتابه الأول «حكايات العطارين في جدة القديمة»، الذي أصدر طبعته الثانية بالتزامن مع إصداره الجديد. مصادر شفهية ويقول أبو زيد إن كتابه الجديد «المعماريون في جدة القديمة» يعتمد على المصادر الشفهية في التسجيل والتدوين، لأهمية هذه المصادر في توثيق كثير من الجوانب المغيبة عن مهنة «المعلم البلدي»، ولتحقق الفرصة الهامة في الالتقاء بهم لفترات مختلفة، عبر لقاءات طويلة، بسبب انعدام المصادر المكتوبة التي توثق مهنة البناء التقليدي، ليقدم للقارئ تسجيلاً لأبرز القصص والحكايات التي صاحبت مهنة البناء التقليدي، وتقاليدها وأعرافها الأصيلة. ويضيف أبو زيد بأن كتابه الجديد يمنح هذه الشخصيات حقها الشرعي في الحديث عن مبان تاريخية ساهموا وشاركوا في بنائها وتشييدها وترميمها، وفي أن يبوح صانعها بذكرياته وهمومه، وأعراف مهنته التي ارتبطت بحياة الناس وتقاليد المجتمع الجداوي، إلى أن ظهرت حرب «الإسمنت»، وحسم الأخير المنافسة لصالح هذا المنتج الجديد في معركة البناء والتغيير. ويبين أبو زيد تفاصيل «حرب» البناء التقليدي مع مهندسي الإسمنت، واصفاً إياها بأنها «كانت حرباً بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، واستمرت لفترة تزيد على عشرين عاماً، وانتهت بهزيمة المعلم البلدي، وجميع أعوانه ومساعديه، حين اقتنع الناس بجدوى الإسمنت كمادة حديثة وقوية للبناء، وطأطأت الهزيمة برأس المعلم أرضاً، وسقط كبرياؤه، وظل حتى يومنا هذا مرمماً للبيوت الآيلة للسقوط، ومعالجاً لأعطابها وعيوبها». حكايات نادرة ويكشف المؤلف أن هذه «الحرب» شكلت مرحلة جديدة لحياة المدينة وسكانها، بعد هدم سورها في عام 1367ه، بالانتقال من الحياة الشعبية البسيطة إلى الحياة المادية المعقدة، ومن جدة القديمة إلى جدةالجديدة، ومن الحارات الشعبية إلى الأحياء الحديثة المعقدة. وتأتي أهمية هذا الكتاب كونه صدر في وقت انتهى فيه زمن البناء التقليدي، ليقدم حكايات نادرة عن أول محكمة خاصة لقضايا البنائين، واتفاقية التعامل مع المتمردين، والوصفة التي تمنح البيوت صفة الخلود، وتفاصيل بناء أول بيت إسمنتي في جدة، واتفاقية العشاق الشهيرة لمقاطعته. ويضع المؤلف في نهاية الكتاب فصلاً نادراً يثبت فيه «المصطلحات المعمارية التقليدية للبنائين في مدينة جدة قديماً».