لن يستمر نظام عائلة الأسد حاكماً لسوريا، انتهت الخمسون عاماً التي سامت فيها تلك العائلة البائسة سكان سوريا سوء العذاب من اعتقالات ونفي وقتل بالجملة. ليست مذبحة حماة مطلع الثمانينيات الميلادية سوى جزء بسيط مما كان يحدث في سوريا إبان حكم الأسد الأب، ثم جاء عهد الأسد الابن ليجعل من فظائع والده نقطة في بحر ما يفعله الآن من دكّ للمدن وإبادة جماعية طالت جميع المدن السورية بما في ذلك مدينة دمشق العاصمة. انتهى زمن الأسد وحكمه، وهو زمن، إن قسناه بتآمر هذه العائلة على شعب سوريا، نجد أنه قد بدأ قبل حكم حافظ الأسد بعقود من الزمن حين وقّع سليمان الأسد، جد بشار الأسد، عريضة للمستعمر الفرنسي جاء فيها: «إن الشعب العلوي يرفض أن يلحق بسوريا المسلمة، لأن الدين الإسلامي يعد دين الدولة الرسمي، والشعب العلوي، بالنسبة إلى الدين الإسلامي، يُعد كافراً. لذا نلفت نظركم إلى ما ينتظر العلويين من مصير مخيف وفظيع في حالة إرغامهم على الالتحاق بسوريا عندما تتخلص من مراقبة الانتداب ويصبح بإمكانها أن تطبق القوانين والأنظمة المستمدة من دينها». كما تظهر الوثيقة المحفوظة في وزارة الخارجية الفرنسية تحت الرقم رقم 3547 بتاريخ 15/6/1936، طبيعة هذا النظام، حيث جاء فيها أيضاً: «قد ترون أن من الممكن تأمين حقوق العلويين والأقليات بنصوص المعاهدة، أما نحن فنؤكد لكم أن ليس للمعاهدات أية قيمة إزاء العقلية الإسلامية في سوريا. وهكذا استطعنا أن نلمس قبلاً في المعاهدة التي عقدتها إنجلترا مع العراق التي تمنع من ذبح الأشوريين واليزيديين. فالشعب العلوي، الذي نمثله، نحن المجتمعين والموقعين على هذه المذكرة، يستصرخ الحكومة الفرنسية والحزب الاشتراكي الفرنسي ويسألهما، ضماناً لحريته واستقلاله ضمن نطاق محيطه الصغير، ويضع بين أيدي الزعماء الفرنسيين الاشتراكيين، وهو واثق من أنه واجد لديهم سنداً قوياً أميناً لشعب مخلص صديق، قدم لفرنسا خدمات عظيمة مهدد بالموت والفناء». هذه مقتطفات من وثيقة تظهر تآمر العلويين مع المستعمر، فهم وبال قبل أن يتمكنوا من حكم سوريا، ووبال وقد استبدوا بالحكم طيلة خمسين عاماً ضد شعب ينظرون إليه على أنه عدو في المقام الأول، وهذه النظرة تفسر لماذا يقترفون المجازر تلو المجازر بدم بارد، فهم لا يحكمون شعباً يرون أنهم جزء منه بل يحكمون شعباً عدواً يلصقون فيه تهمة إبادتهم في المستقبل لأن مظنة إبادة طائفتهم وبقية الأقليات من مكونات الشعب السوري. ما سبق ليس هو الهدف من كتابتي هنا، فهو مجرد مقدمة لما سيليه من رؤية بدأت تظهر جلياً لكل متابع، إذ إن عمالة هذه العائلة لم تزل مستمرة حتى اليوم، فما يحدث في سوريا اليوم يدل دلالة قاطعة على أن نظام الأسد ينفذ أجندة خارجية برعاية إسرائيلية أمريكية، يتشارك في تنفيذها روسيا والصين كعنصرين مكملين يلعبان دوراً محدداً. فسوريا على يد عائلة الأسد لن تعود بعد اليوم دولة مستقلة وذات سيادة، إذ إنها ستنتهي كنهاية العراق في أحسن أحوالها، أي دولة مقسمة بين عدة طوائف تحكمها ظاهرياً حكومة عميلة في دمشق، وستغدو ميداناً خصباً لصراع دول الجوار تماماً كلبنان والعراق. إن أبرز المؤشرات التي تدعوني لقول ذلك هو أن إسرائيل لوحت قبل أسبوع بالتدخل العسكري في سوريا في حال أمدت الحكومة السورية حزب الله بالأسلحة الكيماوية التي تتكدس في مخازن الجيش السوري، وهي أسلحة لم نسمع بها من قبل، ثم بعد تصريح إسرائيل اعترفت الحكومة السورية بوجود هذه الأسلحة، لتكتمل بذلك المسرحية الهزلية التي استجدت بعد أن فاجأ الجيش السوري الحر الجميع بانتصارات غير متوقعة. بقي الدور الأخير الذي سيلعبه نظام عائلة الأسد المشبوهة منذ الاستعمار الفرنسي، وهو دور يرتكز على خدمة الدولة اليهودية، كما خدم الأجداد من الخونة المستعمر الفرنسي، فسوريا لن يصل إلى حكمها الإسلاميون، الخطر الذي يتهدد إسرائيل، إذ إن مصر أصبحت في أيدي الإخوان، على ما في حكم الإخوان لمصر من منغصات واشتراطات تضمن أمن الدولة العبرية قبل ضمانة حقوق الشعب المصري، وبنجاح ثورة مصر لن تسمح أمريكا ولا إسرائيل للإسلاميين بحكم سوريا. هذه هي عائلة الأسد، التي تآمرت مع المستعمر، ثم تآمرت على الشعب السوري طيلة نصف قرن، ثم ها هي تمارس دورها الأخير بتسليم سوريا للضياع بلداً ممزقاً ينتشر فيه المرتزقة من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه، إذ إن سقوط حكم الأسد لا يعني أن يصمت الأمريكيون على ما يحدث في سوريا باعتباره خيار الشعب السوري، بل سيجعلون من سوريا العراق الأخرى التي لم تقم لها قائمة منذ سقوط بغداد وحتى اليوم، وربما لسنوات طوال قادمة.