هناك من يمكن أن نسميهم ب»الأوفر مخمليين»، ومفردها «أوفر مخملي». إنها صفة مركبة من كلمتين مختلفتين: «أوفر» (Over) بالإنجليزية، وتعني: فوق، أو زائداً. أما «المخملي» فهي كلمة عربية تصف الشخص المترف. وهى مشتقة من «مخمل»، أو حرير… الذي يرمز للرفاهة والتنعم. وال»مخملي» شخص أنعم الله عليه بثراء ونعم، ولكنه –في الغالب– منطقي السلوك، مؤدٍّ لواجباته كاملة نحو أهله ومجتمعه. أما ال»أوفر مخملي»، فهو شخص مرفه منعم، أكرمه الله بثراء أكثر بكثير مما يحتاجه، ومن كثير غيره، فانصرف ينفق معظم جهده، ويصب أغلب اهتماماته ووقته وماله على المتع المختلفة، وأغرق في كسب مزيد من الرفاهة، ونعومة العيش والدعة. فأصبح جل همه التمتع بمباهج الحياة وزخرفها، والاغتراف من زينتها، داخل وخارج بلاده، لا يكترث إلا نادراً بالشأن العام لمجتمعه، وبمعاناة الآخرين من حوله. يتجلى ذلك من: كون «الأوفر مخمليين» يبذلون أقصى الجهد في سبيل امتلاك أحدث الكماليات، وأفخمها، من بيوت وملابس وساعات ومجوهرات وسيارات… إلخ. وكذلك القيام بأفضل وأمتع وأرقى السفرات إلى أرقى وأجمل استراحات ومدن وقرى العالم بأسره. إنهم، كما يقال بالإنجليزية (Pleasure seeking people)… أي أناس يبحثون فقط عن المتع والتخمة. ويتأكد ذلك عندما يجتمع أوفر مخملي بآخر، حيث ينصب جل الحديث بينهما، حتى في حضور غير مخمليين، على آخر صرعات السيارات والكماليات، وأجمل وأمتع مقاصد السفر والسياحة، وكيف أن بالسيارة الفلانية ميزات فريدة جديدة، وممتعة. ثم يتبارون في الحديث عن أى الأماكن السياحية في العالم أفضل وأكثر إثارة.. وكيف أن فلاناً قضى أياماً في ضاحية بمدينة «كان» الفرنسية. ثم غادر منها في رحلة بحرية إلى جزيرة «كورسيكا»، ليقضى بقية أيام الشهر في أماكن مثيرة بتلك الجزيرة..! ومرة، سمعت أحدهم يتحدث بأسى عن «مصيبة « حصلت له في صيف العام الماضي. وعندما استوضحنا منه عن ماهية تلك المصيبة، أخبرنا الأخ أنه «اضطر» للركوب في الدرجة السياحية في رحلته الجوية من «جنيف» بسويسرا إلى «نيس» بفرنسا. يا للهول..! ••• اللهم لا حسد. اللهم بارك لكل ذي نعمة. إن ديننا الحنيف يحضنا على شكر النعم والاستزادة منها، قال تعالى: «لئن شكرتم لأزيدنكم». كما قال (جلت قدرته): «وأما بنعمة ربك فحدث». ولكن كل ذلك يجب أن يتم دون كبر، أو بطر واستعلاء، ودون عدم اكتراث بالمجتمع الذي يعيشون فيه، وتجاهل لحاجاته وقضاياه وأوضاعه الملحة. فهذا الوطن هو الذي أغدق عليهم من خيراته. إن أبرز ما يؤخذ على هؤلاء هو: عدم مراعاة مشاعر غالبية أبناء مجتمعهم فيما يتعلق بمعيشة المواطن العادي اليومية. وإن اهتم بعضهم بهذه المعيشة فإنما يكون اهتماماً هدفه الظهور، واكتساب الوجاهة (البريستيج) لأشخاصهم، دون اكتراث حقيقي وفعلي بمعاناة الناس. بل ودون إسهام فعليّ في مساعدة المحتاجين بمجتمعهم. إنهم بعيدون عن معاناة المواطن الذي لا يجد مبلغ الإيجار الذي عليه أن يدفعه مقابل سكنه وأهله، وما يقاسيه من المواصلات، وغلاء الأسعار، والروتين الحكومي، ومن جل طموحه أن يتنزه وأهله قرب أحد الطعوس، وما إلى ذلك. كيف يحسون بتلك المعاناة وهم لا يعيشونها، لأن جل همهم ترفيه أنفسهم، والجري المسعور خلف متع الحياة. إن على هؤلاء أن يصححوا هذه السلوكيات، ويُسهموا بالفعل الحقيقي –لا الكلامي والتظاهري– في شؤون مجتمعهم، بقليل من رد الجميل لأفضال هذا المجتمع عليهم. اللهم اجعل الطبقة الوسطى هي الأكبر في مجتمعنا. اللهم كثّر من المخمليين فيه، وقلّل يا رب من «الأوفر مخمليين». تباركت يا سميع يا مجيب.