تتعرض الدراما التلفزيونية السورية للتقلبات السياسة، فلا التمويل الذي يشغلها سوري بالكامل، ولا السوق الذي تتوجه إليه كذلك، ما يجعلها في مهب الأحداث الراهنة. ويرى الناقد الفني ماهر منصور “أن السوريين نجحوا ببلوغ معدل الإنتاج السنوي الذي اعتادت عليه الدراما خلال السنوات الأخيرة، فأنتجت خمسة وعشرين مسلسلاً”، رغم “أن هذا الإنتاج عاش هواجس أمنية وتسويقية قبل أن يصل إلى هذا الرقم”. ويقر الناقد في الوقت نفسه أن هذا الرقم وصل قبل العام 2008 إلى ما ينوف على الأربعين عملاً. وعن تأثير الأحداث الجارية في البلاد على تلك الأعمال يقول منصور “التأثير الأول ظهر في أماكن التصوير، إذ انحصرت في المناطق الهادئة والمستقرة أمنياً، وبشكل رئيسي في دمشق وضواحيها، أو في مدينتي طرطوس واللاذقية وريف الساحل، وفي ريف مدينة السويداء”. وأشار إلى “أعمال سورية اختار منتجوها تصويرها بالكامل خارج سورية، فحملوا ممثليها وكامل فريقها وذهبوا للعمل في بلد ثان، كما فعلت أسرتا مسلسلي “صبايا”، و”أبو جانتي”، اللذين جرى تصويرهما في دبي”. ويستدرك منصور قائلاً: غير أن ذلك لا يعني أنه تم لي ذراع حكايات تلك الأعمال لتطويعها لتناسب المكان، باستثناء “صبايا” و”أبو جانتي”، اللذين تم صياغة حكايتهما بما يتناسب وتصويرهما بدبي”. ويضيف: أما في عدا ذلك، فهناك تناسب بين الأعمال وأماكن تصويرها، أو أن حكايتها تصلح للتصوير في أماكن عدة، مثل مسلسل “رومانتيكا” الذي تدور أحداثه في منتجع ساحلي، أو “المصابيح الزرق”، الذي تدور حكايته في أجواء ساحلية بمدينة اللاذقية بالذات في أربعينيات القرن الفائت”. ويتابع: وعلى اعتبار أن محطة وقود على طريق السفر هي الحاضن الرئيسي لحكاية مسلسل “سيت كاز”، وهو مكان غائم، اختارت أسرة المسلسل محطة وقود في مدينة السويداء، فيما كانت بيوت دمشق القديمة مكاناً طبيعياً لحكايات مسلسلات ما عرف بدراما البيئة الشامية”. أما المسلسلات المعاصرة فأجواؤها المدينية لا تجبر مخرجها على اختيار مدينة بعينها، بحسب منصور. ويوضح منصور قائلاً “بالطبع كل هذا لا يعني أن مخرجي تلك المسلسلات لم يواجهوا بخيارات محدودة لأماكن التصوير، إذ لطالما جالت وصالت كاميرات الدراما السورية في أنحاء المدن السورية كافة، وفي ريفها، بحثاً عن موقع تصوير مناسب من أجل مشهدين، أو ثلاثة فقط”. ويتحدث منصور عن “تأثير ثان واضح كان في ظهور لاعبين سوريين جدد، كتاباً ومخرجين، أغلبهم من الشباب يشاركون، لأول مرة، في صناعة عشر مسلسلات سورية، أي ما يقارب نصف ما أنتج هذا العام، وذلك نتيجة غياب مخرجين رئيسيين، ورغبة منتجيها بتقليص الكلف الإنتاجية”. أما بالنسبة للتسويق، فيؤكد منصور بأن “السوريين تجاوزوا هواجس التسويق، وسوقوا أعمالهم في كثير من الفضائيات العربية، ومنها الفضائيات الضخمة “إم بي سي”، و”أبوظبي”، و”روتانا خليجية”، و”إل بي سي..”. ويستدرك ليقول “ذلك لا يعني أنهم تجاوزوا مأزق التسويق، فالكم الكبير من الفضائيات العارضة للدراما السورية ذو ملاءة مالية ضعيفة نسبياً، وبالتالي لا نعتقد أن الوارد المالي من المسلسلات وصل الحد الذي يطمح إليه المنتج”. ولا يحيل الناقد الفني ذلك الضعف في التسويق إلى “مقاطعة” بالضرورة. فتلفزيون دبي “لم يشتر مسلسلات ليس من باب المقاطعة، وإنما لدخوله على خط الإنتاج”. وعن انعكاس الأحداث على موضوعات الدراما السورية يقول منصور “سنرى ذلك في أكثر من مسلسل، مثل “بقعة ضوء”، الذي تكشف الإعلانات الترويجية له مقاربة للموضوع من حيث انعكاساته الاجتماعية والاقتصادية”. ويضيف “هناك عمل كامل يقوم على الأزمة السورية هو مسلسل “خلصت”، إلا أن الأكثر جرأة في المقاربة ما قدمته المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي التي تمثل القطاع الدرامي العام، حيث قدمت ثلاثة أعمال تعد حواراً هادئاً حول الأزمة دون أن تنحاز لطرف دون آخر، وهي “فوق السقف”، و”هات من الآخر”، و”حصان طروادة”، وهي أعمال منها ما عرض خارج رمضان، وربما يعاد في رمضان الجاري”. وبرأي منصور، فإن “الدراما السورية منذ زمن طويل وصفت بالجرأة ومقاربتها الخطوط الحمر، وفي هذا الموسم سيتم مقاربة موضوع الفساد، ولاسيما في الأجهزة الأمنية، كما سيتم كشف آلية الفساد والالتفاف على القوانين”. ويرى الناقد والمتابع للشأن الدرامي علي سفر في حديث لوكالة فرانس برس أن “العملية الإنتاجية الدرامية في سوريا تأثرت منذ الموسم السابق 2011″. وبحسب علي سفر، فإن “الوضع على الأرض قد قلل من فرص عمليات التصوير، ولكن ثمة محاولات للإنتاج ظهرت من خلال الاحتيال على مواقع التصوير”. ويقول “إذا دققنا في الشركات التي أنتجت نرى أنها أصلاً مرتبطة بعقود مع قنوات مستهلكة، وقد بدا واضحا تراجع الإنتاج من خلال عدد الأعمال المنتجة”. ويضيف سفر “حتى في هذا الموسم سنرى أن الفقر في الجغرافيا واضح في المنتج الدرامي”. ويوضح قائلاً “كثير من هذه الأعمال ليست بمسلسلات حقيقية، بل هي فلاشات درامية، قد يصل زمن الحلقة، اللوحة الواحدة إلى دقيقتين”. وفي ما يتعلق بمسألة التسويق يقول “هذه مرتبطة دائما بعمل المنتج السوري كمنتج منفذ لدى رأس المال القادم من الخارج، أما المحطة فهي من يتولى الدفع، وبالتالي مسألة التسويق ليست حقيقية”. ويضرب سفر مثلاً المسلسل الجديد للمخرج السوري حاتم علي، متسائلاً “هل هو سوري حقاً؟ بمعنى أنه إنتاج سوري؟”، موضحاً أن “عمل ممول من جهات إنتاجية متعددة، ولن يرتبط بالمعادلة السورية”. أ ف ب | دمشق