علينا جميعا أن نستقبل شهر رمضان المبارك بالعزم على ترك الآثام والسيئات والتوبة الصادقة من جميع الذنوب والإقلاع عنها وعدم العودة إليها، فهو شهر التوبة، قال الله تعالى: (وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تُفلحون). كيف يكون شهر رمضان المبارك سببا مباشرا وفرصة للتوبة من الذنوب والمعاصي ويكون معينا بعد الله تعالى على التوبة النصوح؟ إنما يكون بالاستقامة على أمر الله تعالى واستقبال رمضان المبارك بالتوبة والاستغفار والعمل على تحقيق شروط التوبة النصوح بإذن الله تعالى. وهي العزم على عدم الرجوع للذنب والندم على فعله والاستغفار ورد المظالم والحقوق لأصحابها وأن تكون التوبة في زمن الإمكان . لهذا يجب أن نتوب إلى التواب الرحيم فهذا الشهر فرصة للتوبة إليه سبحانه وتعالى، والتوبة إليه من ذنب وخطيئة فلا تدع فرصة هذا الشهر تفوتك للتوبة النصوح . هذا هو موسم الخيرات والحسنات والعمل الصالح . ومن خصائص هذا الشهر الفضيل أن الله تبارك وتعالى يجازي على الصيام الجزاء الذي ليس محدودا ولا معينا حيث قال تعالى في الحديث القدسي: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) ويعني هذا أن الجزاء كبير جدا ليس له تحديد يذكر ويكفي أن هناك بابا يقال له الريان يخص الصائمين يقال أين الصائمون؟ ليدخلوا منه فإذا دخلوا أغلق ذلك الباب فلا يدخل أحد غيرهم وهذا لا شك من الترغيب في الصيام وأجره العظيم وفضله الكبير وغير ذلك من أمور الترغيب الأخرى التي تخص هذا الشهر الكريم وهذه العبادة العظيمة ألا وهي الصيام. لهذا يجب استغلال هذا الشهر المبارك في أعمال الخير الجليلة حتى تضاعف الحسنات والأجور عند الله الكريم المنان، فصيام رمضان غنيمة باردة حال أدائه وحال الحصول على أجره إن شاء الله ويجب الاهتمام بأداء الأعمال المضاعفة أجورها كالدعاء والصدقة وتفطير الصائم والعمرة في رمضان التي تعدل حجة مع النبي صلّى الله عليه وسلّم كما قرر ذلك عليه الصلاة والسلام وكذلك تلاوة القرآن الكريم والجود والكرم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والاعتكاف وغير ذلك من الأعمال الفاضلة الأخرى وهذا كله يخص الرجل والمرأة والتي لها خصائص أخرى أيضا في هذا الشهر المبارك فيجب على المرأة المسلمة أن تراعيها لعظم هذا الشهر الكريم الذي قال الله تعالى فيه: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان). إن شهر رمضان الكريم هو شهر تُرفع فيه الدرجات وتُعتق فيه الرقاب من النيران وتُضاعف فيه الحسنات والطاعات، فلننضم إلى قوافل التائبين إلى الله تبارك وتعالى الذي يفرح بتوبة عبده والرجوع إليه أكثر من فرحة رجل في فلاة ضلت راحلته بما تحمل ثمّ وجدها بعد بؤس ويأس طويل. إن هذا الشهر هو شهر الفضائل والخيرات فلنقبل على عمل هذه الخيرات والفضائل والطاعات دائما ونبتعد عما خالف ذلك لنجتهد في المحافظة على السنن الرواتب وتعويد الأطفال على الصيام وتدريبهم عليه على قدر الاستطاعة والاعتكاف وصلاة التراويح وبركة السحور والدعاء أوقات الإجابة وقراءة القرآن الكريم وبر الوالدين وطاعتهما وغير ذلك من الأعمال التي تُقرب العبد إلى ربه عزّ وجلّ، يوم لاينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. يجب أن نتذكر الحديث الشريف (جاءكم شهر رمضان شهر مبارك كتب الله عليكم صيامه، فيه تُفتح أبواب الجنان وتُغلق فيه أبواب االجحيم… الحديث) أخرجه الإمام أحمد، لتصُم جوارحنا عن الآثام، ويُستحب لنا أن نُحافظ على آداب الصيام من تعجيل الفطور وتأخير السحور إلى آخر جزء من الليل، والزيادة في أعمال الخير لتكون الرحمة والمغفرة والعتق من النار هي الجزاء بإذن الله. إن بعض الصائمين يتخذ رمضان فرصة للكسل والخمول، في حين أن المسلمين الأوائل كانوا على عكس ذلك، فكثير من المعارك الإسلامية الشهيرة كانت في رمضان المبارك، ولكن البعض يجعلون من رمضان فرصة للإكثار من النوم ويحتجون بأحاديث ضعيفة مثل حديث: (نوم الصائم عبادة)، وعلى فرض صحته فإنه لايد ل على مرادهم فإن الذي ينبغي للصائم هو أن يغتنم رمضان للاستزادة من العمل الصالح بهمة ونشاط. فقد كان سلفنا الصالح رضي الله عنهم من صحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والتابعين لهم بإحسان يهتمون بشهر رمضان ويفرحون بقدومه، وكانوا يدعون الله تعالى أن يبلغهم رمضان ثم يدعونه أن يتقبل منهم كانوا يصومون أيامه ويحفظون صيامهم عما يُبطله أو يُنقصه من اللغو واللهو واللعب والغيببة والنميمة والكذب وكانوا يحيون لياليه بالقيام وتلاوة القرآن الكريم . ينبغي للمسلم أن يحفظ أوقات حياته القصيرة المحدودة، فيما ينفعه من عبادة ربه عزّوجلّ، ويصونها عما يضره في دينه ودنياه وآخرته، وخصوصا أوقات وليالي شهر رمضان المبارك التي لا تُعوض ولاتُقدر بثمن وهي شاهدة للطائعين بطاعتهم وعلى العاصين والغافلين بمعاصيهم وغفلاتهم.