أكتبُ هذه السطور بعد (عصر) أمس الجمعة، ومطالبٌ من الزميل الكريم والصديق الجميل «خالد الأنشاصي» بما يزيد على مائتي كلمة، في مدة لا تتجاوز نصف ساعة، وعلى الرغم من أنني أرسلت إليه، قبل اثنتي عشرة ساعة، (إيميلاً) فيه ما لا يقل على 380 كلمة هي كامل مقالة هذا اليوم السبت، إلاّ أن (حدس) الأنشاصي وخبرته وتمرّسه يقولون لي باستحالة خروج كلماتي البريئات (العفيفات) النحيلات من مشرحة السيد الرقيب، لذا عليَّ أن (أعجّل) بتوفير البديل، دون أن أقرأ على روح كلماتي الفاتحة وأرتل ابتهالات الغفران والرحمة، ودون أيّ (تأبين) أو محاولة مني لمعرفة الطريقة التي تم بها (إعدام) كلماتي المسكينات، وهل حدث ذلك، أي الإعدام، (غزّاً) موجعاً بسن القلم الأحمر الحادة؟ أم باستخدام المحو التقني زرّ (Delete) في لوحة (الكيبورد) لجهاز حاسبه الآلي سواء كان مكتبياً ثابتاً أو (لابتوب) متحركاً أو (آي فونياً) أي محمولاً؟! وحتى محاولتي للسؤال عن عملية الإعدام هذه كم استغرقت من الزمن؟ أي كيف كانت سريعة خاطفة كالرصاصة؟ أم طويلة وصامتة (كاليوغا)؟ أم أن السيد الرقيب (مخمخ) عليها جيداً بكأس شاي (مُنعنع) ونفث سيجارته في وجوهها الغضة وأشبع (عيونه) وعقله ويديه منها، نظراً وتأملاً و أيضاً، ثم استدرجها إلى مخدع (المقصلة) وبدأ بها واحدة واحدة مستلذاً بصراخها، ولما استبطأ الوقت واعتراه الملل قرر سيادته تصفيتها عشرات عشرات كأيّ (جزّارٍ) محترف! إنني لا أسخر من السيد الرقيب، ولكن من المفترض ألاّ أكتب مقالاً تالياً بهذه السرعة، لاسيما وأن كلماتي لمّا تجفّ دماؤها بعد، فضلاً عن أن الكلمة مثل الإنسان يجب أن تستغرق ولادتها وقتاً طويلاً لكيلا تموت سريعاً ولكي تبقى عصيّة على القتل والمحو والتنكيل أكبر وقت ممكن، غير أن الزميل (الأنشاصي) باحترامه وتعامله الراقي وضحكاته (البريئة) لا يترك لك فرصة للاعتذار أو التسويف وسرعان ما يغمرك بالعزاء والدواء والتجدد، لتلفي نفسك، فجأة، كالمسحور تتبع رغبة الساحر طواعية عمياء فتعاود الكتابة من جديد! فيا أيها الرقيب الصارم.. يا أيتها القارئات العزيزات.. ويا أيها القراء الكرام: عذراً لذهابي إلى ما لستُ أعرف، فقلمي لا يحب البدائل المستعجلة، مثلما لا أحب الرسائل المستعجلة والسواقة المستعجلة والمحاكم المستعجلة والمغاسل المستعجلة والمرأة المسترجلة! بلْ أحب الحياة هادئة مثل صوتِها، أقصدُ (التي في البال)..! والكتابةُ كالحياة، كالحب، كالأنثى، يقتلها الإيقاع السريع!