يتذكر المصور عبدالعزيز البقشي أثناء تسجيله في المدرسة ذهاب والده معه إلى أحد استوديوهات التصوير القريبة من منزله، جلس أمام الكاميرا منتصبا- بعد أن مُشِّط شعره ورُتّب هندامه، وقال له المصور “لا تتحرك”، مشيرا بيده:”انظر هنا”، كان عبدالعزيز متخوفا من إضاءة “الفلاش القوية”، أغمض عينيه، فأعاد المصور تصويره أكثر من مرة؛ حتى بدا ضجرا منه، وبعد ثلاثة أيام كاد عبدالعزيز أن يطير فرحا بعد أن عاد والده بصورته “البورتريه” من الاستوديو، ألصق واحدة من الصور بجانب سريره، يتأملها كل حين، مفكرا كيف تكون الصورة؟. بدأت من هنا علاقة عبدالعزيز البقشي مع الصورة والكاميرا، بعد أن كَبُر وأصبح قادرا على اصطياد اللقطات، ليطوف بكاميرته السكك القديمة والشوارع، والقصور التراثية للحكام الأوائل والنخيل، ويصير “زووم” عدسته متألقة من تصوير ينابيع الأحساء العذبة، وشيئا فشيئا ينتقل من الغرفة المظلمة لتحميض الأفلام إلى عصر الديجيتال، بصورة سريعة، لتفتح أمامه خيارات واسعة ومتعددة. وخلال استراحة “الشرق” معه نثر لنا ألبومات ورقية كثيرة، وأكثر منها ما حمله جهازه الخاص؛ ولكنه يرفض الاحتفاظ بالصور، التي لا يعتبرها جزءا من جسده وذاكرته، أو أي لقطة لا تمثل ذائقة عبدالعزيز الفنية. يسرد البقشي الذي عاش في مدينة الهفوف بين قصورها القديمة وأشهر أسواقها الشعبية، تولعه بالعدسة، الذي بدأ مبكرا جدا بحكم ولادته في مدينة الهفوف -العاصمة الإدارية للأحساء-، حيث توفر محلات بيع الكاميرات واستديوهات”التحميض”، قبل أن تحل التقنية الحديثة مكانها، لتتطور هوايته، ويكون محترفاً للتصوير، حصد الجوائز العالمية والدولية والعربية والمحلية، ولكنه لم يكتفِ بأن يكون مصورا هاويا، ولأن الوظيفة براتب متواضع، راح يكتسب من هوايته وعشقه مصدر دخل آخر، يعينه على شراء احتياجاته، والتي من أهمها عدسات الكاميرا، فأصبح مصورا محترفا، وراح جدوله الأسبوعي يزدحم بتصوير المناسبات والمحافل والأعراس، فالكثير يفضل أن تكون ذكرياته بعدسة عبدالعزيز البقشي. وخلال دخول واحة الأحساء في مسابقات عجائب الدنيا السبعة قبل عامين، احتلت صور عبدالعزيز عن الواحة مساحات كثيرة من الصحف والمواقع الإلكترونية والنشرات والمطويات، فدخل هو منافسا قويا أيضا لأجمل العدسات التي أظهرت جمال الواحة وروعتها، بدءا من النخيل وخيراتها إلى المياه العذبة وجبل القارة بصخوره العجيبة، مرورا بالحرفيين والصناعات اليدوية، الذين يفتلون حبال الليف، ويعجنون طين الفخار، وللأنامل الذهبية التي تصنع “البشت الحساوي” حضورا جميلا معه، حتى الصائغ القديم المعتق في مياه الذهب كانت شيباته تضيء المكان والزمان دون الحاجة إلى الإضاءة الصناعية. عن التحديات التي واجهها البقشي، يروي أنه واجه العديد منها، ولعل أهمها بدايات التصوير وأساسياته، والبدء في تجربة بعض أنواع التصوير مثل تصوير الطبيعة، والحياة اليومية، ومواجهة صعوبة ضبط الصورة تقنيا وفنيا، وكان يسترجع بعض الصور الفوتوغرافية التي يعرضها فنانون في الشبكة العنكبوتية، ومحاولة فهم الصورة وإعدادات الكاميرا وتثقيف العين برؤية المزيد من الصور. ويشير البقشي إلى أن أسعار المصورين يختلف من شخص إلى آخر حسب خبرة وشهرة المصور، كما أن مواصفات الكاميرا التي يحملها المصور، أيضا تحدد سعر الكاميرات التي تصل أسعارها – بدون عدسات- إلى أكثر من 30 ألف ريال. وعن تعويض هذه المبالغ أكد البقشي أن هواية التصوير ترهق صاحبها، ولكن اتقان التصور التجاري ربما يعوض أسعار شراء الكاميرا. ولا يخلو جو التصوير من عقبات ومشاكل، صنفها عبدالعزيز” الأشخاص” وعدم تقبلهم توجيه الكاميرا تجاههم، أو حول المحيط الذي يتواجدون فيه، إضافة إلى رجال الأمن ومنعهم للمصورين من التصوير في الأماكن العامة، رغم وجود تصريح من وزير الداخلية الأمير نايف بن عبدالعزيز بالسماح بالتصوير في الأماكن العامة.