رغم الدعم اللامحدود الذي تقدمه كل من روسيا وإيران للنظام السوري، فإن مؤشرات حصول انقلاب في ميزان القوى لصالح الثورة السورية بدأت تطغى بشكل كبير على الصورة العامة للوضع في سوريا. فرقعة وحجم الثورة أصبح يطال مختلف أنحاء البلاد بما فيه معقل النظام في قلب دمشق ناهيك عن طبقة التجّار بالمجمل ولا سيما مدينة حلب، مترافقة مع ارتفاع نسبة المذابح التي تجري على يد النظام وشبيحته وازدياد بشاعتها. أمّا على الصعيد العسكري، فنسبة وحجم ونوعية الانشقاقات ودائرتها بدأت تكبر بشكل ملحوظ وآخرها انشقاقات في صفوف سلاح الجو، كما أنّ هناك مؤشرات على أنّ بعض الأسلحة المضادة للدبابات بدأت تصل إلى أيدي الجيش الحر بدليل ارتفاع نسبة الآليات المدرعة التي تم استهدافها في الآونة الأخيرة لاسيما في منطقة ريف حلب. وأمام هذه التطورات، يبدو أنّ النظام يحاول الهرب إلى الأمام بعدما عجز عن الثورة إلى الوراء، وهو يحاول إشعال الجبهات الخارجية لدفع الأزمة إليها في لبنان وفي العراق ومؤخرا في تركيا حيث تم إسقاط الطائرة اف-4 بحجة اختراقها الأجواء السورية ودون حتى القيام بتحذير الطائرة قبل إسقاطها على فرض صحّة الادعاء الرسمي السوري. ولكن ما يفسّر هذا التصرف على الأرجح هو حالة الهلع التي يعيشها النظام السوري بعد تصاعد المؤشرات أعلاه ناهيك عن حالة الانشقاق النوعية الأخيرة للطيّار حسن مرعي حمّادة الذي هبط بطائرة الميغ السورية في الأردن. ويبدو أنّ النظام قد أعطى بعدها تعليمات بمباشرة إسقاط أي طائرة مقاتلة في الأجواء السورية ما لم تحصل على إذن مسبق، خوفا من مزيد من الانشقاقات في سلاح الجو، وأيضا خوفا من أن تقوم إحداها أو بعضها بهجمات نوعية داخل البلاد على مراكز موالية للأسد أو على مكان وجود الأسد نفسه، وهذا ما يفسّر برأيي الاستعجال في إسقاط الطائرة دون تحذيرها. وعلى عكس ما يعتقد كثيرون من أن إسقاط المقاتلة هو مؤشر على نجاعة الدفاعات السورية، فإن الحقيقة أن طائرة اف-4 هي طائرة متقاعدة في كل الجيوش الحديثة وحتى في تركيا كانت دخلت الخدمة في السبعينيات وجرى إحالة عدد منها إلى التقاعد وتحديث بعضها عام 2000 وظل استخدامها محدودا في ثلاث قواعد عكسرية فقط إحداها في هاتاي ولديها مشاكل في نظام الملاحة والاتصالات، وليست ندّا لطائرات اف-16 التي تمتلكها تركيا. وفي كل الأحوال، يبدو أن هلع النظام وخوفه دفعه إلى إطلاق النار على نفسه، فإن الحادثة وإن لم تشعل حربا الآن، إلا أنّها ساعدت وستساعد كثيرا على مراكمة الاحتقان الدولي ضد نظام الأسد وحلفائه، علما أنّ الصبر مرتبط على ما يبدو بمعطيات داخلية في كثير من البلدان سرعان ما سيتم تجاوزها قريبا مع نهاية السنة على الأرجح.