إذا شاع ضرب السعوديين لزوجاتهم فلا يجوز القول إن في البلد رجالا ونساء بل ذكور ونساء!. كانت أبرز قيم الرجولة عدم ضرب المرأة مهما كان السبب، أما اليوم فإن ضربها فحولة وأخلاق، وعلامات حزم وضبط للأمور. إنها مسيرة نحو ثلاثة عقود تبدل فيها الحال ليغدو بعض السعوديين الأكثر خسة في التعامل مع النساء، محققين المراكز الأولى عالمياً في الصفع والضرب والاستقواء على النساء. هذا التبدل الموجع عاكس مسار الشخصية الرجولية والقيم الاجتماعية، وتضاد مع معطيات التعليم والوعي والتفتح فلماذا؟. شيء ما انكسر في هؤلاء الأشخاص، وأظن أن طبيعة الحياة جعلتهم أكثر هشاشة وأكثر محاصرة فلجأوا إلى منطقة قوتهم الوحيدة، ونطاق سلطتهم المطلقة: الاسترجال على النساء!. السبب هو بنية اجتماعية مخلخلة كسرت القيم النبيلة، ومد صحوي رأى في المرأة شرا وخطراً عليها؛ فحثت فتاواه وتسجيلاته على حصار المرأة وتأديبها كل وقت، حتى لكأن الرجل هو إسرائيل والمرأة هي غزة!. الحياة اليوم تضاد المنشأ الأخلاقي فالمكاسب لا يحققها الأبرز، والصدق ليس منجاة، والاعتبار لا يجيء من مقومات فعلية بل العكس من ذلك كله إذ يسود التملق، وتغلب على الناس أشكال التلون، ويزداد التذلل والخضوع كوسيلة لحياة أفضل، وتتكاثر أدوات التهميش والضغط والتسلط على الرجال فتكسر كرامتهم وحين يهبون لنجدتها لا يجدون سوى نسائهم مجالاً لذلك. في المقابل ليس للمرأة حق أو حماية لأن الثقافة التقليدية كانت تترك الأمر للرجال وليس لحالات نفسية مشوهة فكانت هي الضحية الأبرز؛ راتبها لأهلها، خضوعها لزوجها مطلق، مطالبتها بالكرامة شغب قد يصل حد الفجور، طلبها للخلع فسق وتمرد، شكواها نزوع للاختلاط، ثم تسلطت عليها الصحوة لتجعل منها «الشيطان الأكبر». ستبقى جرائم ضرب النساء تتكرر لأن الجميع صامتون؛ مداهنة أو قناعة، وستظل هذه الحكايات لطخات سوداء مروعة ومخجلة إن لم يدرك الجميع أن الحقوق لا تجزئة فيها، وأن النساء لسن جواري وإن كان للجواري حقوق لم تتعرف إليها امرأة السعودية بعد!.