خرج علي عبدالله صالح من السلطة، بعد أن اشتغل جيداً على أن لا يترك البلاد خلفه إلا باتجاه مصير واحد، الخراب. المعارك استعرت بشكل غير مسبوق بين المسلحين، رغم عدم دخول القبائل بشكل رسمي، ومازالت احتمالية مشاركتها في المعادلة قائمة، والعمليات الانتحارية وعمليات الخطف أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياة اليمنيين اليومية. كل هذا لا يهم الآن، لأنه أفضى إلى ما هو أشنع وأمر، فالموت الذي يفرق كأسه على الفقراء كل يوم، بسبب الجوع والعطش وقلة الدواء وتواضع الخدمات الصحية، هو مصدر حزننا الكبير على بلد سمي ب»السعيد» في خطأ تاريخي، لكن السعادة لم تعرف قلوب أهله منذ زمن غابر. الصور التي انتشرت مؤخراً لأطفال اليمن الجوعى، تؤكد أن البلاد مقبلة على مأساة إنسانية كبرى، قد تصل إلى مستوى مجاعة الصومال التي فتكت بعشرات الآلاف من البشر، وما يحز في النفس ويكسرها فعلا، أن يتضور أهل اليمن جوعا في البلد الخليجي، «اعتباطا» وهو البلد المحاط بدول النفط والمال والمشالح. مشكلة اليمن مركبة، وهو «البلد الفريد من نوعه ولا يمكن التنبؤ بما قد يحصل فيه»، كما يقول ليبوسكي المتحدث باسم مفوضية الأممالمتحدة لشؤون اللاجئين للأمم المتحدة، ويبدو أن المشكلة ليست في انتشال اليمن من المجاعة بقدر ما هي في إعادة الاستقرار الأمني له بما يشفع للمساعدات الوصول إلى مستحقيها. هذه الصورة نسجت جيداً من قبل النظام السابق، وهي أبشع من صورة الحرب، ففي الحروب الناس تموت مرة واحدة، وفي المجاعات الناس تموت آلاف المرات، ولا قيمة للإنسان، كما قال البردوني: مواطن بلا وطن لأنه من اليمن تباع أرض شعبه وتشترى بلا ثمن.