قبل أكثر من خمس سنوات، أثناء زيارة الملك حفظه الله لمنطقة الحدود الشمالية كنت حاضرا في داخل الصالة التي كانت تعرض فيها المشروعات الحكومية المزمع تنفيذها ليطلع عليها الملك كان المكان مزدحما بالأمراء وكبار المسؤولين والوزراء الجميع يتنقل ويسير خلف الملك من عرض لآخر والكاميرات والفلاشات تلاحق الحدث. لفت انتباهي ذلك الرجل الذي لم يكن مأخوذا بالمشهد ومتأخرا عن الجمع يمشي بخطى واثقة ويتأمل ما حوله بعيون فاحصة تعلو وجهه ابتسامة خفيفة تزيل الرهبة من كل من يتردد في مصافحته والسلام عليه مع وقار وهيبة ولدا معه متأصلين في ذاته هذا ماتستشعره وأنت تراه لا أعرف لماذا توقفت أنا عن ملاحقة الجمع وأخذت أتأمله عن قرب وعلى بعد أمتار معدودة وكأنني أبحث في وجه نايف بن عبدالعزيز عن أسئلة أو استنطق أجوبة حتى ذهلت عند السلام عليه والذي كنت مقررا أن يكون هذا السلام بعد أن أملأ عيني منه وأنتهي من متابعته التي أرصدها. ضج عقلي بالأسئلة من أين يستمد هذا الرجل كل هذه الطاقة التي تجعله يمسك بملفات وطنية حساسة أمنية وسياسية واجتماعية ودينية قضايا مثل الإرهاب والحدود والحج والإعلام والفكر عدا القبائل وشؤونها والمناطق ومتابعة تفاصيل ما يحدث فيها؟ مسائل كهذه تحتاج لسرايا من الرجال وقد اختصرها لنا الفقيد الرمز على حساب وقته وماله وصحة جسده التي أخذت تتراجع غير آبهٍ بها بفعل الضغط وحجم المسؤوليات المناطة به هل كانت تلك اللوعة الاجتماعية الجماعية التي رأيناها ترتسم على وجوه الجميع لفقده هي نتاج خوف من المجهول لأن الفقيد الرمز ترسخت صورته باللاوعي الشعبي الجمعي لدينا أنه رجل الأمن والأمان الذي يطمئننا وجوده في أحلك الظروف وأشد الأزمات ورجل الحسم الذي لايلين إذا استشعر خطرا يهدد الوطن.في ظني رغم وجاهة الأسباب السابقة للوعتنا إلا أن سببها الحقيقي هو شعورنا بتأنيب الضمير في أننا لم نعطِ هذا الرمز حقه من الثناء والإشادة في حياته رغم عدم حاجته لهما بقدر حاجتنا نحن أن نستشعر فضيلة الإنصاف ونعترف لكل صاحب فضل بفضله قضى هذا الرمز حياته في خدمة الوطن والمواطن ويكفيه من إنجازاته الضخمة أننا أعتدنا الأمن والاستقرار بفضل الله ثم بفضل إخلاص الرجل وحنكته وتفانيه ومن ورائه رجاله في قطاع الأمن المخلصين حتى تسرب لعقولنا أن الأمن أمر طبيعي حدوثه في المجتمعات رغم أن كل الشواهد حولنا تقول غير ذلك!بحق وصدق آن لهذا الفارس أن يترجل وترتاح تلك الهامة الحرة التي لم تخضع إلا لله لتنعم بإذن الله وفضله ورحمته بجنة عرضها السموات والأرض. أقول لأبناء الفقيد لستم وحدكم المكلومين بنايف فرمز بقامته تصاب بفقده أمة وكلنا أبناء نايف نستشعر مرارة فقده ويؤلمنا رحيله ولا نقول إلا: إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع وإننا لفراقك يا نايف لمحزونون.