لم يكن صاحب السمو الملكي الأمير الفقيد نايف بن عبدالعزيز رجل دولة بارزاً فقط، بل كان صمّام أمان وأكثر على المستويات الأمنية والاجتماعية والفكرية، وخلال 63 عاماً من عمره شكّل في أداء خدماته المتعددة ومناصبه المتتالية رمزا وطنيّاً، ارتبط ارتباطاً وثيقاً بمراحل تأسيس ونمو واستقرار الدولة السعودية، وبرحيله – رحمه الله – يتخلّق فراغ إنساني ووطنيّ عظيم. نايف بن عبدالعزيز رحمه الله كتاب تاريخ عميق، فيه الحكمة والحنكة والعقلانيّة والرصانة، وهو في مسار هذا التاريخ المتعدد المنعطفات، المتقلّب التوجّهات، كان الصادق الناصح، الأمين الحازم. إنّ اختزال نايف بن عبدالعزيز في كلمات أو صفحات أو كتب لا يفي تجربته حقّها، إذ أنه أصبح مدرسة عالمية حقيقية في أساليب معالجة الانحرافات والجريمة والإرهاب والتطرف، كما أنّه في ذات الوقت كان الرجل الإعلاميّ الحصيف والنبيه والمتابع الدقيق، والمراقب اليقظ لأمن الحجيج وراحتهم، والمؤسس للمستقبل الفكريّ المعتدل المحافظ على هويته والمتوائم مع حاضره ومستقبله. لقد كان الأمير نايف أحد أعمدة الدولة السعودية المتينة، فهو رجل الحزم عند الضرورة، ورجل الرأفة عند الحاجة، وكان حرصه الدائم ووطنيّته الصادقة تجعلانه قريباً دوماً من كل حدث. غير أنّ ميزتين أساسيّتين تشكّل شخصية الأمير نايف، وهي تعكس بشفافيّة بوتقة تفكيره ومحور اهتمامه، حيث كانت القضية الفلسطينية إحدى الثوابت السعودية التي لا حياد عنها، وكان الأمير نايف يدفع بكل ما أوتي من قوة في جميع المحافل لدعم هذه الثوابت، ولأن يأخذ الشعب الفلسطيني حقّه الكامل في الأرض والمواطنة. كما أن الميزة البارزة في حياة الأمير نايف حرصه الشديد على الدين، ويتجلّى ذلك في دعمه اللامتناهي لبرامج وبحوث ومسابقات القرآن الكريم والسنة النبوية، مؤكداً دوماً على أن هذا الوطن لم يكن يوماً لتقوم له قائمة لولا تمسكه بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. إن رحيل الأمير نايف بن عبدالعزيز هو طيّ كتاب مليء بالعبر والدروس النبيلة التي تنمّ عن فراسة وعلم وقوّة وصبر، وهو في ذات الوقت يبقى الأب والأخ والصديق والحكيم. للوطن العزاء، وللأسرة الحاكمة والمواطنين الصبر، ولله ما أعطى، ولله ما أخذ. أسرة تحرير الشرق