يُعطي الكفاح والنضال والعمل الملتزم من أجل التعليم الشخصية سمواً وتميزاً وتواضعاً فريداً أن يضع الفرد التعليم في حياته لكل ما هو جديد طارحاً أسئلة الغموض المتحركة، أما سكون العقل فهو بالتأكيد سوف يصل إلى نتيجة مقنعة كونه وضع الحلم والسؤال وفضول الاستطلاع أمامه وهذا لا يأتي إلى مع التحفيز والعمل الجاد المكثف. الكاتب ويلي جولي في كتابه (دقيقة واحدة لتغير حياتك) يقول “إذا استطعت تكوين الحلم في ذهنك وزرعه في قلبك وفي نفس الوقت لم تدع فرصة للشكوك أن تخمده، فمن الممكن أن يصبح حلمك حقيقة”.. أما آينشتاين فلديه فلسفة في غاية الروعة عندما سُئل عن العبقرية فقال “ليست الفكرة في أني فائق الذكاء، بل كل ما في الأمر أني أقضي وقتاً أطول في حل المشاكل”، فيعتبر آينشتاين أن العبقرية عبارة عن %1 موهبة و%99 عمل واجتهاد.. فلا يوجد عباقرة بالفطرة بل يوجد مجتهدون يسعون لتحقيق ما يؤمنون به لأنفسهم ولمن حولهم، ولا يفشل حقاً إلا أولئك الذين يكفون عن المحاولة!. أثناء دراستي للدكتوراه في أستراليا وفي جامعة موناش كُنت كل يوم في المكتب أصبّح على جاري البروفيسور دنيس لوثر أو كما يحلو لنا أن نسميه (شايبنا) والذي يعمل على إعداد الدكتوراه وعمره 86 عاماً!، حصل على الدكتوراه في الكيمياء أول مرة قبل 51 عاماً من جامعة لندن وعمل في التدريس في الجامعات البريطانية والأسترالية إلى أن تقاعد عام 1990 وبعد ذلك العام عاد لبيته وسط شهاداته المعلقة ولكنه لم يقتنع بذلك ليعود من جديد لأحضان الدراسة، ولكن هذه المرة لهوايته وهي الرسم فدرس بكالوريوس في الفنون!، وبعد أن تخرج وعاد للبيت شعر بالملل الذي لم يمهله إلا سنتين وبعدها قرر دراسة الماجستير في العلوم الاجتماعية!، ثم عاد للبيت الذي امتلأ بالشهادات والدروع التي لم تكن كافية لتسكين ضجيج الأسئلة ليدرس من جديد الدكتوراه في دراسة حول علاقات المسنين الزوجية وتأثيرها على الجانب النفسي والصحي. كُنت كلما أشعر بالملل وتعب الدراسة ألتفتُ لذلك المسن؛ ليعطيني طاقة متجددة.. ذات يوم جئته مزمجر الأنفاس من ضغط الدراسة وقلتُ بصوت عالٍ: يكفي دراسة!. ابتسم وقال لي: هل يعقل هذا؟!. ثم أضاف: قد تمل، وهذا شعور يصادف الجميع؛ ولكن تذكر أنك تدرس ليس لأجل الشهادة وحدها فقط؛ بل من أجل رياضة العقل ومتعة النفس وتقليل أعراض الزهايمر في المستقبل!. انظر لي.. مسن ولكني ما زلتُ قادراً على الدراسة وإعداد البحوث.. هل تصدق أنني سوف أنشر ورقة بحث في مجلة علمية تعتبر الرقم 244 في حياتي؛ وحفيدي الذي يدرس الماجستير لا يستطيع أن يكتب ربع ورقة علمية!، كل ذلك لأن عقله ممتلئ بالكرة وملاحقة الفتيات!، ثم قال: اليوم الذي تستجيب لقرار توقفك عن الدراسة والبحوث؛ هو اليوم الذي يتوقف فيه بناء العقل لديك؛ حتى لو كنت تقرأ كثيراً.. البحث والدراسة التزام ومبدأ له مذاق آخر!. قال دنيس إن لديه أيضاً مشكلة وهي أن المشرفة على بحثه (عن المسنين) وهي أستاذه مشاركة (أقل درجه علمية منه) تطلب منه أن يعمل أشياء على عجل وهو لا يستطيع دون وعي وفهم كامل.. يقول إنه أخذ يعطي ويرد معها إلى أن وصل لأن يقول لها: أستاذتي الفاضلة بالرغم من أن بحوثي المنشورة (دبل) عمرك وكتبي المؤلفة تتعدى كل الأصابع التي لديكِ؛ إلا أنني احترم رأيك لأنكِ تعرفين أكثر مني في التخصص وسأظل أنهل من علمكِ ومعرفتكِ وهذا لا يعني أنني لستُ قادراً على أن أقدم عملاً ليس بالجيد بسبب كبر سني وكثرة نسياني؛ ولكن لأنني قادر على التفكير والإنتاج؛ ثم قال لها: سامحيني على طرح الأسئلة لأنها مصدر إلهام لي!. هذا هو التحفيز الذي نبحث عنه.. يحتاج العلم إلى مثابرة ودراسة مركزة حتى يصل الفرد إلى مستوى معين، وتبدأ هذه الدراسة بطرح الأسئلة.. فطرح السؤال معرفة بحد ذاته والأهم من ذلك هو وجود بيئة التحفيز التي ما إن تثبط العزيمة إلا ويأتيها شخص يشد عليها من قبيلة المحفزين في الأرض.. كم نحن في أمس الحاجة إلى هذه القبيلة التي تنسف كل معايير الخمول الفكري والنكوص المعرفي!.