حائل، بريدة، جازان – رجاء عبدالهادي، نوف المهوس، علي الجريبي آباء يقتلون براءة بناتهم بأزواج مسنين! السنوسي: لا يحقق أهداف الزواج لا من ناحية الإحصان ولا التكاثر! الصميلي: زواج القاصرات اغتصاب واستغلال جنسي البهكلي: رصدنا صفقات مشبوهة ثمنها بنات قاصرات! برزت في المجتمع السعودي ظاهرة زواج القاصرات بشكل لافت وتفاوتت الآراء و الدراسات العلمية حول الزواج المبكر أو (زواج القاصرات)، غير أن النظرة الاجتماعية له تعتبره عادة سلبية، بينما يعتبره المختصون بشؤون الأسرة والناشطون في حقوق المرأة و الهيئات والجمعيات المدنيّة (خطراً) يتهدد حياة زوجات لا يزلن في عمر الطفولة! من خلال رصدهم لأضرار الزواج المبكر من كافة جوانبه الصحية والنفسية والاجتماعية. «الشرق» رصدت قصصاً لزيجات حدثت لقاصرات، وكشفت أن عدداً من الأسر لا تمنح أدنى قيمة للبنت. زوجي الخمسيني وقالت «نورة.م» عن تجربة زوجها الذي اقترن بفتاة عمرها 13 سنة من قرية بعيدة و فقيرة، حيث كان يلجأ مواطن إلى تزويج بناته من شدة الفقر، وقالت: كانت «هاجر» المسكينة من نصيب زوجي الخمسيني، وقد أخذها من بيت والدها إلى مكةالمكرمة في رحلة شهر العسل الذي لم يتجاوز أربعة أيام حيث وافتها المنية، وتضيف «عاد زوجي بجثتها إلى أهلها بعد أن اصطحبها منهم عروسا خلال أسبوع، والأدهى من ذلك أن والد الفتاة أهداه أختها الأصغر، ولكن زوجي – ولله الحمد – رفضها بعد هذه التجربة المرة». سبقتني أختي وتقول هتاف سعد ( 20عاما) من بلدة «فيد» وهي تقع في الجنوب الشرقي من منطقة حائل «أحمل شهادة الثانوية فقط ولم أكمل تعليمي وكان السبب زواجي المبكر من رجل يكبرني ب 11 عاما، على الرغم من رغبتي الشديدة في إكمال تعليمي إلا أن أبي كان يرفض ذلك، فهو يرى أن مصير الفتاة ودورها الأساسي هو الزواج، ولست الوحيدة التي تزوجت في عمر صغير فقد سبقتني أختي ولم أشهد منها أي رفض، وأرى المصير ذاته لأخواتي الأصغر سنا». ولادة طفلين وتقول جوزاء من مدينة بريدة (فتاة تزوجت في سن مبكرة) «تزوجت قبل أن أبلغ ال16 عاماً، ولم يأخذ أبي رأيي فقد عقد قراني على رجل في سن 45 سنة وأخبرني بتاريخ زواجي منه، وبكل البراءة جُهزّت لزفافي وأنا لا أعلم إلى أي عالم سأذهب، والآن بعد أن بلغت العشرين عاماً ومعي طفلان أشعر بأني مختلفه عن فتيات في مثل سني، حيث كل همومهن الدراسة والزيارات وقضاء الأوقات السعيدة في حين أنني أتحمل في هذا العمر مسؤولية زوج و أبناء، وخلال ولادتي للطفلين تزوج زوجي مرتين بفتيات في عمري ولكنها زيجات فاشلة – والحمدلله – على كل حال فأنا مجبرة على الصبر وتحمل هذه الحياة». يشتري الطفولة بدروها تتساءل الأكاديمية التربوية منى السويلم عن دور المحكمة وعن ضمير المأذون الذي يعقد مثل هذا النكاح، وتقول «حينما كنت أعمل في مدرسة تتبع محافظة «القوارة» تفاجأت في أحد الأيام بأن المعلمات يتحدثن عن زواج طالبة في الصف السادس وقد تعجبت من هذا الخبر وجاء التبرير بأن الطالبة بلا أم ووالدها يريد استقرارها، أيعقل أن تستقر طفلة في بيت الزوجية و تتحمل مسؤولية زوج وربما أطفال دون سن 18 ؟ ، وتضيف «أنا أحمّل المقدمين على هذا الزواج الذنب الأكبر مما يحدث فقد طغت المادة وأصبح بإمكان التاجر أن يشتري طفولة الفتاة بأي ثمن». قاصرات جازان وفي إحدى القرى بمحافظة شرق جازان تتناقل الأسر قصة فتاة قاصر(13 عاما) قام والدها بتزويجها قبل ثلاثة أعوام دون علم أمها المطلقة التي اتهمت الزوج بالخيانة، وأبلغت الجهات الأمنية التي بدورها أحالت القضية للجهات المختصة، وفي قصة أخرى تعدّ غريبة كما هو مألوف في حكايات زواج القصّر ما شهدته إحدى القرى النائية في جازان من مراسم زواج الطالب كان وقتها قبل سنتين يدرس في الصف السادس الابتدائي من ابنة عمه التي تكبره بعام تقريبا. لا تستشار ووجدت «الشرق» خلال استطلاع أجرته في المناطق الحدودية والقطاعات الجبلية في منطقة جازان التي تعد من أشهر المواقع التي يكثر فيها زواج القاصرات حسب تأكيد بعض مأذوني الأنكحة، حيث يؤكد أحدهم «رفض ذكر اسمه» وقال «أجريت عدداً من عقود الأنكحة لفتيات يبلغن من العمر 11 أو 12 أو 13 عاماً، ووجدت أن أعمار أزواجهن متفاوتة فقد يكون فارق السن بينهما نسبيا أو كبيرا للغاية. وأوضح أنه في المقابل ترده حالات طلاق لمثل هذه الزيجات دون البحث عن أسباب وقوعها، وأن أصغر حالة رفض تزويجها قبل سنتين كانت صبية من مواليد عام 1423ه، مبينا أنه سأل ذات مرة قاضي المحكمة التي يرجع إليها عن السن المعقول للزواج فأجابه ذاك القاضي «لا يوجد سن محدد ولكن لا يمنع من تزويج البنت إذا طاقت الزواج»، وعلى ذات النهج يقول مأذون آخر «نحن نعمل على نهج الشريعة التي لم تحدد سنا معينة للزواج ما دام مستوفيا لشروطه وربما نلاحظ وليس لنا الحق في التدخل أن الفتاة التي قد لا تطيقه لكن عند سؤالها تجيب بأنها موافقة ولعل البيئة لها دور كبير في تسيير عاداتها كون المرأة لا كلام لها خاصة في أمور الزواج حتى لو كان الزوج شيخا كبيرا». ضعف الرعاية وأوضحت الأختصاصية الاجتماعية بكلية علوم الأسرة بجامعة طيبة أمل الجهني أن من أهم الآثار النفسية على الأطفال لأم قاصر، الشعور بالحرمان، حيث إن الأم القاصر، لا يمكنها أن تقوم بعملها كأم ناضجة، بالإضافة إلى الاضطرابات النفسية التي قد تؤدي إلى أمراض نفسية في الكبر كالفصام والاكتئاب، نتيجة وجود الطفل في بيئة اجتماعية غير متجانسة، وتأخر النمو الذهني عند الأطفال، نتيجة انعدام أو ضعف الرعاية التربوية الصحيحة، حيث لا يمكن للأم القاصر، أن تقوم بواجبها التربوي تجاه أطفالها، وهذه قضية «متاجرة» بالفتاة، وهو أمر في غاية السوء، حيث يطمع بعض منهم في الحصول على مكاسب مادية كبيرة عند تزويج ابنته القاصر برجل يكبرها سنًا بعقود، متجاهلاً المستقبل الغامض الذي ينتظر ابنته القاصر. اضطرابات وتشوهات وعن الآثار الصحية للزوجة القاصر تقول الجهني «من هذه الآثار اضطرابات الدورة الشهرية، وتأخر الحمل، والآثار الجسدية، مثل ازدياد نسبة الإصابة بمرض هشاشة العظام وبسن مبكرة، كما أن هناك أمراضا مصاحبة لحمل قاصرات السن، مثل حدوث القيء المستمر عند حدوث الحمل، وفقر الدم والإجهاض، حيث تزداد معدلات الإجهاض والولادات المبكرة، وارتفاع حاد في ضغط الدم، وقد يؤدي إلى فشل كلوي ونزيف، وحدوث تشنجات، وزيادة العمليات القيصرية، نتيجة تعسر الولادات، وارتفاع نسبة الوفيات، نتيجة المضاعفات المختلفة مع الحمل، وظهور التشوهات العظمية في الحوض والعمود الفقري، بسبب الحمل المبكر». داخل المحاكم من جهتها قالت الأختصاصية الاجتماعية والباحثة في العلاقات الزوجيه سمية الوسمي «ما يحدث يكون عادةً تحت تأثير مخدر المادة، وقد يتنازل كثير عن حقوقه وحقوق أسرته. أنا أرى زواج قاصرة في بيت أحدنا ليس مسؤولية العائلة فقط إنما هي مسؤولية المجتمع بأكمله، كيف نرضى بأن نؤذي طفولة فتياتنا من أجل المال؟ الألم النفسي للطفلة مساوٍ تماما للجسدي فقد انتهك ولي أمرها عذرية طفولة مبكرة وباعها لمستقبل مجهول بين النجاح والفشل، ونسبة الفشل هي الأكبر فلماذا نتمادى في الخطأ؟ الفتاة تحت ال18 ينبغي أن تكون داخل المدارس تنهل من التعليم و تتهيأ لأن تكون أُمَّا ناجحة، فمنهن نصنع أمهات متقدمات ناجحات.» مشيرة إلى أن جمعية حقوق الإنسان مازالت تبحث في القضية مع تزايد الوفيات أو القضايا المطروحة داخل المحاكم ولا نعلم متى تبتُّ فعلاً، ويحدد سن معينة للزواج سواء للفتاة أم للشاب، ولحين النظر في هذه القضية أدعو كل رب أسرة بأن يخاف الله في رعيته التي اؤتمن عليها». بلاغات للهيئة من جانبه يقول مدير العلاقات العامة في هيئة حقوق الإنسان محمد معدي: ورد للهيئة عدد من البلاغات بهذا الخصوص ورصدت بعض الحالات. مؤكدا أن هذا النوع من الزواج يعتبر انتهاكا لحقوق الإنسان وتعديا على ما يخص حقوق الفتاة بهذا الشأن، فالفتاة في هذه السن تحتاج لرعاية والديها وحنانهما وتحتاج أيضا إلى التربية والتعليم لتتمكن من إنشاء أسرة بشكل سليم، وأضاف أن هذا النوع من الزواج يحرم الفتاة من التعليم ومن ممارسة حياتها بشكل طبيعي والهيئة تنظر إليه على أنه انتهاك لحقها، وفيما يتعلق بدور الهيئة لإيقاف هذا الزواج هو مخاطبة الجهات الرسمية وإمارات المناطق». استغلال جنسي خديجة ناجع الصميلي ورأت الناشطة الحقوقية خديجة ناجع الصميلي أن «زواج القاصرة هو متاجرة بجسد بنت صغيرة، كما أنه اغتصاب واستغلال جنسي بعقد شرعي وموثق بدفتر المأذون، ومن المحزن أن يزج باسم الشرع في مثل هذه الجرائم، وزواج القاصرة هو ستر الضلع القاصر هذا السبب وغيره من الأسباب أدت إلى تفشي ظاهرة زواج القاصرات وهي مشكلة إنسانية تقع بين غياب وعي المجتمع وغياب قانون ينص على سن قانونية ملزمة في زواج الفتاة، والغريب أن هناك من يدعم زواج القاصرة ويدعم النظرة إلى الفتاة على أنها عار وعورة ولايسترها إلا الزواج المبكر دون الالتفات إلى عواقبه الوخيمة الصحية والنفسية والاجتماعية. خطب الجمعة وقالت الصميلي «من العيب أن تُستغل مثل هذه القضايا كي تظهر أسماء تنادي بشعارات ونداءات لا تتعدى الإعلام بهدف تلميع الأسماء كما أن الخطاب العام والخارجي للمجتمع المتمثل في الصحافة والإذاعة و التلفاز غير مجد أبدا ويعتبر حديثها هشا، فنصف المجتمع للأسف لا يقرأ ويتمتع بثقافة تقاوم دور الدراما، وينظر لها على أنها كلام مسلسلات وأفلام، لذا لابد من تبني هذا الهم وتوعية الأسر بمخاطر زواج القاصرات على بناتنا الصغيرات». كما تطالب الصميلي أن يتبنى الخطاب الديني ظاهرة زواج القاصرات فهو الأولى بتوجيه الناس وتوعيتهم فليس غريبا أن يقوم خطيب الجمعة بالتوعية ،وأن تتضمن خطبته مناداة أولياء الأمور إلى تقوى الله في صغيراتهم وأن تسقط الولاية عند المتاجرة بجسد طفلة عندما تنتزع اللعبة لتحل محلها حياة زوجية! على الخطاب الديني أن يستوعب هذه المخاطر، وأن يخرج من التنظير إلى التطبيق. المؤهلات الأساسية رشاد السنوسي وقال عميد البحث العلمي والاستشاري في الطب النفسي بجامعة جازان الدكتور رشاد بن محمد السنوسي يمكن تقسيم الزواج المبكر بالنسبة للأولاد الصغار إلى نوعين أولهما الزواج قبل البلوغ – أي قبل سن ال15 تقريبا وهذا النوع لا يناسب إذ إنه لا يحقق أهداف الزواج لا من ناحية الإحصان ولا من ناحية النسل والتكاثر، بل إن الرغبة والميل لم يتكونا بعد في هذه المرحلة! أما النوع الثاني فهو الزواج في مرحلة المراهقة المبكرة ما بين البلوغ إلى العشرين سنة تقريبا، وهو ليس بكثير الانتشار في المجتمعات المعاصرة نظرا للظروف المعيشية والتعليمية وغيرها، لكن هذه الحالات من الزواج تزيد في المجتمعات القروية البسيطة والبدوية. ويؤكد الدكتور السنوسي أن هذا النوع من الزواج في هذه المرحلة يعتمد نجاحه أو فشله على توفر الحد الأدنى من المؤهلات الأساسية لأي زواج، فهناك الاستعداد الجنسي بمعنى قدرة الشاب في هذه المرحلة على ممارسة العشرة الزوجية الخاصة ورغبته في ذلك، والغالب أن أكثر المراهقين قادرون على ذلك بحكم توفر الاستعداد العضوي والهرموني كما هو معروف من الناحية الطبية. مطالبات للجمعية أحمد البهكلي وقال المشرف العام على فرع جمعية حقوق الإنسان بمنطقة جازان أحمد بن يحيى البهكلي «هناك مطالبات قامت بها الجمعية لكل من مجلس الوزراء والجهات التنفيذية والقضائية في الدولة بأن تضع نظاما ملزما يمنع فيه الوقوع في مثل حالات الزواج المبكر وما يترتب عليه وخاصة إذا كان واقعا نتيجة الإجبار إلا إذا كان هناك تراض وإدراك تام بالوعي الكامل بآثار مثل هذا الزواج بل ويفترض أن يكون الزواج بعد البلوغ، وأضاف أن جمعية حقوق الإنسان تفاهمت مع الجهات المعنية كوزارة العدل ووزارة الداخلية وأمارات المناطق تطالبهم فيها بإصدار أنظمة محددة وتوجيه المأذونين والمعنيين بعقود الأنكحة من التأكد الكامل والتام من موقف وسلامة كل الأطراف حتى لا يكون هناك استغلال من ولي أمر الزوجة أو الزوج نفسه وأن لا يتم عقد النكاح بين الزوجين إلا بالتراضي بينهما ، وكشف البهكلي عن تلاعب ظاهر في أمور الزواج تكون ضحاياه فتيات صغيرات السن لأسباب لها علاقة بالقضايا المادية كالديون والصفقات المشبوهة وقد وجدت مثل هذه الحالات، وتم رصدها ومتابعتها مع الجهات المختصة.