لم تكد تنهي أم محمد قراءتها للصحيفة اليومية حتى فاجأها خبر في الصفحة الأخيرة يحمل العنوان التالي: «زواج ابنة ال 12 من 60» انتهت من قراءة الخبر وهي تتحسر على حال الفتاة بعدما حكم عليها بحبس أبدي. هذه القصص تتكرر في كل عام ورغم كل ماكتب وقيل في جميع وسائل الإعلام المقروء والمسموع والمرئي والإلكتروني عنها إلا أنه لم يتم حتى الساعة استصدار قوانين للحد من زواج القاصرات. جدل شرعي ومجتمعي ومطالبات عديدة بوضع حد لهذه الزيجات، وتصريحات متناقضة مابين مؤيدة ومعارضة في الأوساط الدينية والقضائية والمجتمعية فالبعض يطالب هيئة كبار العلماء بإصدار فتوى حيال ذلك مستندين بآراء بعض النصوص والعلماء، والبعض الآخر يطالب وزارة العدل بإصدار قرار حاسم في غياب الدراسات الاجتماعية والإحصائية التي تدرس هذه القضية الحساسة ما عدا بعض الإحصاءات التي نقلها موقع العربية نت ومفادها أن 3000 فتاة سعودية تقل أعمارهن عن 13 عاما تزوجن من رجالٍ تجاوز الفارق العمري بينهم بأكثر من 25 عاما. وإذا استمعنا لبعض الفتيات القاصرات لخرجنا بمقدار فظاعة هذه الزيجات من صاحبات التجارب فهذه مطلقة في الصف السادس (م.س) عندما سألناها عن تجربة زواجها المبكرة، قالت: «أكره الكلام عن هذا الموضوع الذي يجعلني أشعر بالحزن فقد كنت في الصف الخامس من التعليم عندما زوجني أهلي، وكانت معلوماتي عن الزواج أنه فستان وفرح، وزوجوني رجلا كان قاسيا معي، وتصرف معي بوحشية وشعرت بنفور شديد منه وبسبب معاملته لي وتدهور صحتي ورغبتي في الخلاص منه طلب أهلي منه أن يطلقني لكنه رفض فرفع أهلي ضده قضية في المحكمة، وعشت في خوف شديد وقلق لا يعلم بهما إلا الله، وكنت أذهب إلى المحكمة على أعصابي وبعد المحكمة كنت أعود لألعب مع بنات الجيران وحصلت على الطلاق وعمري 13 سنة، وبعدها عدت للمدرسة مطلقة أدرس في الصف السادس». «عكاظ» فتحت هذا الملف الساخن الذي طرق كثيرا وبحثت في كل مكان عن مفتاح حل لهذه المشكلة مستندة على آراء العلماء والقضاة والحقوقيين والاجتماعيين والنفسيين وبعض التصريحات الرسمية من هيئة كبار العلماء ووزارة العدل ومجلس الشورى وحقوق الإنسان ووضعت هذا الملف بين يدي جميع الجهات المسؤولة لعلها تحرك راكدا في هذه القضيةالمعلقة. حذر بداية الخبير في اللجنة الوطنية للطفولة الدكتور عبد الرحمن الصبيحي من تزويج القاصرات موضحا الآثار السلبية ومنها عدم التعايش الصحيح مع حياتهم الزوجية مما ينتج مشكلات أسرية ينجم عنها وقوع الطلاق. وأفاد أن زواج القاصرات يشكل خطرا كبيرا على القاصر من الناحية النفسية، موضحا أن عدم إدراك الطفلة لأسس الحياة الزوجية وتحمل المسؤولية يجعلها أمام دواعي القلق الذي يتزايد مع الوقت حتى يصبح مرضا نفسيا يعيقها عن ممارسة حياتها على المستوى الأسري أو الشخصي، وأشار الصبيحي إلى أن الفتيات القاصرات لا يكن في الغالب على علم ودراية بقضية الجماع والمعاشرة الزوجية، وعند وقت المعاشرة نجد أنه في حالات كثيرة يحدث الرفض لممارسة الجماع ولفترات طويلة، مما يجعل الزوج يعنف زوجته (الطفلة) ويمارس عليها الإيذاء البدني، رغبة في تحقيق هدفه الجنسي. وأفصح الصبيحي عن أن الفتاة القاصر عندما تحمل عليها أعباء الحياة الزوجية وما يترتب عليها من مسؤوليات تكون عرضة للاكتئاب لعدم معرفتها بالطرق الصحيحة لمواجهة تلك المسؤوليات، مبينا أن الحالة تزداد حين تسفر تلك الزيجات عن أطفال، وتشعر الأم (الطفلة) بصعوبة بالغة في التعامل مع مولودها الجديد. وعن دور اللجنة الوطنية للطفولة في محاربة هذه القضية قال الصبيحي: «نحن جهة تشريعية لجميع قضايا الطفولة وسبق أن طرحنا قضية زواج القاصرات ولدينا رؤية ومشاريع مستقبلية ستناقش هذه القضية بعمق وتضع تشريعات للحد منها بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة». أخطار صحية وحذرت الطبيبة والمستشارة النفسية والاجتماعية الدكتورة ليلى الأحدب أن تزويج القاصرات متاجرة بالأنثى تحت ستار شرعي، محذرة من الآثار الصحية الخطيرة على تزويج القاصر ومنها تحريض البلوغ قبل أوانه أحيانا ومعاناتها من الحمل المتكرر مستدلة على ذلك بما أكده الطب «أن الحمل قبل سن العشرين يعتبر حملا عالي الخطورة»، مفيدة أن المرأة القاصر معرضة للإصابة بشكل أكبر للأمراض التي تنتقل إليها من زوجها إذا كان متزوجا من امرأة ثانية أو كان كبير السن ومصابا بأمراض البروستات والالتهابات الأخرى التي لا تظهر عوارضها سوى على المرأة فتكون هي من يدفع الثمن في كل الأحوال. تحذير الصحة وأكدت وزارة الصحة في خطاب وجهته قبل نحو عامين لهيئة حقوق الإنسان ان المخاطر الصحية والنفسية الناجمة عن زواج القاصرات كبيرة .. وقالت الصحة آنذاك «إن لجنة طبية في الوزارة حذرت من المخاطر». وقال وزير الصحة في حينه ردا على خطاب وجهته الهيئة للوزارة للاستفسار عن كيفية إجراء فحوص ما قبل الزواج للأطفال القصر: «إن اللجنة التي شكلتها الوزارة لدراسة الأضرار المترتبة على زواج القصر، خلصت في تقريرها إلى أن هناك آثارا سلبية عديدة لمثل هذا الزواج أبرزها الآثار الصحية، مبينا أن هناك أمراضا مصاحبة لحمل صغيرات السن منها؛ فقر الدم، الإجهاض، إضافة إلى ارتفاع حاد في ضغط الدم يؤدي إلى فشل كلوي ونزيف وحدوث تشنجات، زيادة العمليات القيصرية نتيجة تعسر الولادات في العمر المبكر، ارتفاع نسبة الوفيات نتيجة المضاعفات المختلفة مع الحمل، إضافة إلى الآثار على صحة الأطفال منها؛ اختناق الجنين في بطن الأم نتيجة القصور الحاد في الدورة الدموية المغذية للجنين، الولادة المبكرة وما يصاحبها من مضاعفات كقصور في الجهاز التنفسي لعدم اكتمال نمو الرئتين، اعتلالات الجهاز الهضمي، تأخر النمو الجسدي والعقلي، زيادة الإصابة بالشلل الدماغي، الإصابة بالعمى والإعاقات السمعية، الوفاة بسبب الالتهابات، فضلا عما يسببه ذلك من حرمان عاطفي نتيجة فقدان حنان الوالدين والحرمان من عيش مرحلة الطفولة وهو ما يؤدي لتعرضها لضغوط وأمراض نفسية مثل الهستيريا والفصام والاكتئاب وكذلك اضطرابات في العلاقات الجنسية بين الزوجين ناتجة عن عدم إدراك الطفلة لطبيعة العلاقة، وعدم تفهم الزوجة لما يعنيه الزواج ومسؤولية الأسرة والسكن والمودة، والإدمان نتيجة لكثرة الضغوط كنوع من أنواع الهروب». حقوق الإنسان الجهات الحقوقية في المملكة المتمثلة في جمعية وهيئة حقوق الإنسان بذلتا جهودا كبيرة من خلال السعي لاستصدار قانون يحد من زواج القاصرات ويحدد سنا معينة لذلك خصوصا أن المملكة قد وقعت على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة عام 2000م ومن ذلك تزويج القاصرات. حتى أن نائب رئيس هيئة حقوق الإنسان زيد الحسين تحدث صراحة بعد بيان وزارة الصحة موضحا أن موقف الهيئة ثابت من زواج القاصرات ولن يتغير وهو تأكيدها على الأضرار المترتبة على مثل هذا الزواج ورغبتها في تقييده منعا لحدوث هذه الأضرار. مبينا أن هذا الموضوع يدرس من قبل الهيئة دراسة متأنية ضمن مجموعة كبيرة من المفاهيم التي تتعلق بحقوق الإنسان من قبل علماء شرعيين، وتشاركها في هذا وزارة العدل التي تقوم حاليا كما جاءت بذلك التصريحات بالإعداد بتنظيم جديد يقنن زواج القاصرات في المملكة، لافتا إلى أن التقرير الذي قدمته وزارة الصحة قد أثبت مسوغ هذه الدراسة الشرعية التي قاعدتها «دفع الضرر، وجلب المصلحة وهو الضرر الذي يقع على هذه القاصر عندما تتزوج وهي غير قادرة على تحمل هذا العبء النفسي والجسدي»، لكنه أشار إلى أن زواج القاصرات لا يتجاوز ثلاث حالات على مستوى المملكة مما يجعله نسبة ضئيلة جدا. وعلى الطرف الآخر تبذل الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان جهودا كبيرة عبر رصد حالات زواج القاصرات، وتتدخل في حالة إذا كان الزواج يمثل خطورة، وهو ما يوضحه رئيس الجمعية الدكتور مفلح القحطاني، الذي يبين أن دور الجمعية الحصول على تشريع يمنع ويجرم تزويج أي طفل يقل عمره عن الثامنة عشرة. وأكد القحطاني أن الجمعية تدعم الدراسات البحثية التي تجريها لجنة الأسرة، كما شاركت في إعداد مشروع نظام حماية الطفل، وتعمل على إقراره، وهذا النظام ينص على أن كل من لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره ويدخل في حكمه الجنين في مرحلة الحمل هو طفل، وبالتالي فإن أي عقد أو إجراء قانوني لا يعتبر به ما لم يبلغ الثامنة عشرة. ولم تتوقف جهود هيئة حقوق الإنسان عند هذا الحد بل رفعت عدة خطابات منذ سنتين لهيئة كبار العلماء لإصدار فتوى لتحديد سن زواج القاصرات ولم يصل أي رد حتى الآن مما جعلها تطالب بوضع حد عمري أدنى ملزم لمأذوني الأنكحة. مأذونو الأنكحة لكن طلبها لم يجد أي آذان صاغية فمأذونو الأنكحة والقضاة أكدوا ذلك فالدكتور حسن سفر المحكم القضائي المعتمد في وزارة العدل والذي يعمل كمأذون أنحكة منذ مايزيد على عقدين من الزمان أوضح أنه لم يردهم من وزارة العدل أي خطاب أو تنبيه بعدم عقد الأنكحة للفتيات القاصرات وقال: «لم يصلني تعميم بهذا لكننا ننصح ولي أمر الفتاة بالرتيث وأن ذلك لايجوز» ، وهو ما ذكره القاضي في محكمة التميز في الرياض الدكتور إبراهيم الخضيري أن «من يتقدم لزواج وليته القاصر ينصح بالتريث حتى تصل إلى مرحلة البلوغ والإدراك، لأن هذا الزواج يعتبر قرارا مصيريا»، وفي نفس الوقت يشير الخضيري إلى أنه «لا يمكن أن نقف في طريق هذا الزواج إذا توفرت فيه الشروط الشرعية». وأمام المطالبات العديدة بالحد من زواج القاصرات ووضع حد عمري لمأذوني الأنحكة خرج وزير العدل الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى بتصريح يطمئن فيه المجتمع بأن وزارة العدل شرعت في الإعداد لتنظيم جديد يقنن زواج القاصرات في المملكة، مضيفا : «أن هذا التنظيم الجديد يأتي انطلاقا من قاعدة أنه (لا تلازم بين الحكم التكليفي والحكم الوضعي)، ومشيرا إلى أن هذا النظام يأتي لحفظ الحقوق ودرء المفاسد بما يقضي على المظاهر السلبية في تزويج القاصرات، لافتا إلى أن دراسة النظام تتضمن آلية واضحة لتزويج القاصرات وما يتعلق بهذا الموضوع كاملا، ومشيرا إلى قرب موعد الإعلان عن ضوابط الدراسة اللائحية، وأضاف العيسى: «أن وزارة العدل تهدف إلى طي ملف تعسف الآباء وأولياء الأمور في تزويج القاصرات». هذا الكلام أكده المستشار في وزارة العدل ومدير عام الإدارة العامة لمأذوني الأنكحة الشيخ محمد بن عبد الرحمن البابطين في حوار سابق مع «عكاظ» بأن «هناك دراسة للوزارة حاليا لوضع قيود وشروط على زواج صغيرات السن».. مجلس الشورى مجلس الشورى الذي يمثل الجهة الاستشارية فقد فضل أن يكون بعيدا عن هذا الموضوع وهو ما أكده رئيس لجنة الشؤون الإسلامية والقضائية وحقوق الإنسان في مجلس الشورى الشيخ عازب آل مسبل أن مثل هذه المواضيع تترك لجهة الاختصاص وهي هيئة كبار العلماء، مشددا على أن القضية شرعية بحتة والرأي الفيصل فيها للعلماء، نافيا أن يكون الشورى قد ناقش الموضوع.