يقدم معرض “مقديشو بين الأمس واليوم” صوراً قديمة تعكس صورة غابرة للصومال وعاصمتها مقديشو بعيدة كل البعد عن الوضع الحالي للبلاد التي تنهشها الحرب. ولم تعد مدينة مقديشو، إحدى أخطر المدن في العالم، تظهر للمغامرين من زوارها سوى القليل من مفاتنها وجمالها السابق، إلا أن هذا المعرض الذي افتتح الاثنين الماضي في نيروبي من شأنه أن يستعيد من خلال الصور عهداً ذهبياً عرفته عاصمة الصومال المنكوبة. ويقول مفوض المعرض محمود دريي إن “كثيراً من الشباب الصوماليين نشأوا في مخيمات للنازحين في أماكن عدة خارج بلادهم، وهم لا يعرفون شيئاً عن مقديشو، وعن أهميتها الضائعة”. ويضيف دريي الذي شغل في ما مضى منصب مدير المتاحف في مقديشو ما أتاح له أن ينقذ مجموعات كبيرة من الصور التاريخية لدى اندلاع الحرب الأهلية العام 1991 أن “أحياء ذكرى الماضي تفتح لنا الأمل في المستقبل”. وبعد عشرين عاماً من بدء الحرب، ما زالت مقديشو مسرحاً لأعمال عنف يومية من هجمات انتحارية وتفجيرات. ويتابع دريي مشيراً إلى صورة حديثة نسبياً تظهر واجهة متحف صومالي “لم يبق شيء، لقد جرى نهب كل شيء”. وتظهر إحدى الصور العائدة لأوائل الثمانينيات فندقاً أبيض اللون تتكسر على جدرانه الأمواج، كان يضم حانة وملهى ليليا.. واليوم لم يبق منه سوى أعمدة بالكاد تحمل هذا البناء. ويقول دريي “في ما مضى، كان عدد الملاهي الليلية في مقديشو يفوق عدد المساجد فيها”، ويشير إلى صورة تظهر فيها نساء يرتدين فساتين قصيرة ويرقصن إلى جانب رجال يرتدون سراويل على النمط الغربي السائد آنذاك. ويضيف “كان الناس يرقصون الروك آند رول، والتشا تشا تشا، والريغي، والتويست، وكل الرقصات.. كنت أحلم في صغري أن أصبح موسيقياً”. وتظهر صورة أخرى شارعاً ضيقاً تبدو فيه معالم العمارة المغاربية، يؤدي إلى شرفة بيضاء هي الأخرى، ويظهر في أسفلها اللون الأزرق المكثف لمياه المحيط الهندي. ويقول أحد منظمي المعرض إسماعيل عثمان الذي نشأ في الصومال قبل لجوئه إلى الولاياتالمتحدة في العام 1991 “آمل أن يشاهد الناس هذه الصور ليقولوا “كان لدينا كل ذلك”، فربما يجعلهم ذلك يلتقون حول بعض الأمور”. ويستذكر عثمان العهد الماضي الجميل لمقديشو، “حين كان الناس يأتون إلى الصومال لتمضية الإجازة”، وهو ينظر إلى إعلان سياحي تظهر فيه صورة للشاطئ الرملي الأبيض والشوارع المزدانة بالنخيل، وطفل يبتسم مع عبارة “الصومال الجميلة” باللغة الإنكليزية. وبدأت الاضطرابات في الصومال نهاية الثمانينات، وتحولت إلى حرب أهلية مع سقوط نظام الرئيس سياد بري في العام 1991، ومنذ ذلك الحين تعيش البلاد في ظل غياب للسلطة المركزية، وعلى وقع المعارك والاشتباكات بين القوى المختلفة، وبين الحكومة والقراصنة. تأسف المصورة الكينية راسنا واره، التي التقطت صوراً حديثة من مقديشو لإدراجها في المعرض، لوجود صورة نمطية سائدة في أذهان الناس عن العاصمة الصومالية. وتقول “ترتبط صورة مقديشو لدى الناس بالقراصنة والإرهابيين، والأطفال الجوعى”، وتضيف “لقد فوجئت لدى وصولي إلى مقديشو أن هناك مباني جميلة ما زالت قائمة، ولو أنها مصابة بطلقات نارية”. مدينة مقديشو تأسست في القرن الخامس، على يد التجار الفرس والعرب، وكانت السفن التجارية تجتاز المحيط الهندي لتوصل إليها التوابل والقماش وغيرها من السفن، وتحمل منها العاج والعبيد والجمال والبخور والمر. بعد ذلك، خضعت الصومال لحكم عمان وزنجبار، قبل أن تقع تحت الاستعمار الإيطالي في العام 1891. ويقول محمود دريي عنها “إنها مدينة قديمة، مدينة سحرية، وفيها عدد من أقدم المساجد في إفريقيا”. وأقيم معرض “مقديشو بين الأمس واليوم” قبل ذلك في تركيا. ويأمل منظموه أن يتاح لهم نقله إلى مقديشو نفسها. وتقول راسنا واره “هدفنا الأساسي أن تعود هذه الصور إلى مقديشو حتى يراها الناس هناك”. وتضيف “الأمر لا يتطلب الكثير، كل ما نحتاج إليه مبنى في منأى عن نيران الأسلحة” ليقام المعرض فيه. أ ف ب | نيروبي