صَدَمت الديمقراطية حلم الثوار في مصر، ضيقت حريتهم، ووضعتهم بين اختيارين أحلاهما مرّ؛ إما حكم الإخوان والتصويت لمرشحهم الاحتياطي الدكتور محمد مرسي رئيس حزب الحرية والعدالة، أو قبولهم بامتداد حكم مبارك وبالتالي الوقوف في صف تلميذه -النجيب- وآخر رئيس وزراء في عهده الفريق أحمد شفيق. معادلة أصعب ما فيها أنها أبطلت مفعول الميدان كحل سحري ظل شباب التحرير يعتمدون عليه في كل مرة لا يعجبهم فيها شيء، وهو ما جعل اعتراضهم (الآن) بنفس الطريقة التقليدية؛ حيث الخروج إلى الشوارع للتنديد بنتيجة الانتخابات مجرد إجراء انفعالي لا أكثر. هناك من استوعبته الصدمة ومازال يطالب كل لحظة بالنزول إلى الميدان لمواجهة الظرف الراهن، ولا يمل من ممارسة انتقاما افتراضيا على “فيس بوك” و”تويتر”. وهناك من استوعب الصدمة وآمن بقواعد اللعبة التي تغيرت، فاعترف بأن الفعل الثوري العفوي القائم على تبني وجهة نظر واحدة تم استبداله بفعل سياسي منظم يستند في مفهومه على قبول الآخر، وهو الطرف الأكثر فهما لقانون صناديق استطاعت أن تختصر مساحة الميادين الشاسعة إلى طاولات صغيرة من شأنها أن تحول صخب الهتافات إلى لغة حوار. وكنت أود أن يتصف السيد حمدين صباحي والدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح بالشجاعة فيعتذرا للثوار على فرقتهما التي أقصت الثورة من الوصول إلى الحكم، بدلا من الانغماس -حتى كتابة هذه السطور- في أنانية متطرفة ترضي غرورهما وطموحهما الشخصي وتحبط جماهير عريضة لم تقترف ذنبا إلا أنها آمنت بهما. بدت لغة حمدين العاطفية بعد إعلان النتيجة وظهوره بمظهر زعيم جريح يحمل قلبا نقيا أقرب إلى الحكايات الشعبية في مضاجع الأطفال، ولم يستطع اتهامُ أبو الفتوح بتزوير الانتخابات أن يخفي هروبه من تحمل المسؤولية أمام أنصاره. العقل لا العاطفة هو من سيحدد نتيجة الانتخابات القادمة بين مرسي وشفيق، وتحمل المسؤولية لا الانسحاب هو ما سيحسم مستقبل مصر الآتي. وسواء قاطع البعض عملية الاقتراع أو أبطل البعض صوته داخل الصندوق فإن الفرز لن يأتي بحمدين أو أبو الفتوح.. قضي الأمر.. وعلى مرشحي الثورة أن يفيقا من خمر السلطة، ويضعا الشعب في مقدمة أولوياتهما وينضما إلى القوة الوطنية للخروج من الأزمة. فإذا كانت الجماعة احتلت الأدوار الأولى فإن الأدوار الأخيرة يقطنها الثوار.. الفرجة على تقويض البيت تواطؤ في هدمه وضياع الوقت في صالح النظام السابق، والحيل السياسية يمكنها أن تعدل الاختيار ليصبح بدلا من مرسي أو شفيق إلى مرسي بشرط أو شفيق. السياسة الآن هي من يتصدر المشهد بينما بات الميدان العظيم خلفية ثورية تعطي قوة للتفاوض بهدف الوصول إلى أفضل النتائج على الطاولة، خاصة وأن الإخوان يدركون حقيقة ضعفهم وعدم حصولهم على أغلبية كاسحة تتيح لهم التحكم في الأمور، في مقابل ما حصلت عليه الثورة من أغلبية تسمح لها أن تتشرط كما تريد. آخر سطر: حين تخاف أن تقول “كلمة حق” فأنت تواجه تطرفا ثوريا أخطر على الثورة من التطرف الديني.