إن الدولة اليهودية أكثر تطرفاً وعنصرية من الولاياتالمتحدة لاتكائها في تبرير جرائمها على بعد ديني ينظر للآخرين على أنهم أغيار كما تقرر كتبهم المقدسة، وكما يشير فلاسفتهم ومن أبرزهم «بن ميمون» الذي يوصي في شرائعه: «بإبادة الكفرة»، وهي الوصية التي تأتي بهذا النّص كما يوردها «إسرائيل شاحاك» في كتابه «الديانة اليهودية وتاريخ اليهود»: «من واجب المرء إبادتهم بأيديه»، وترد لفظة «التدمير» في الترجمة الإنجليزية لوصية بن ميمون: «من واجب المرء أن يتخذ إجراءات فعلية لتدميرهم»، وفي كتابه «دليل الحائرين»، الذي يعد من أكثر الكتب انتشارا بين اليهود كما يذكر «شاحاك»، يقرر بن ميمون أن: «بعض الأتراك (أي العنصر المغولي) والبدو في الشمال، والسود والبدو في الجنوب، وأولئك الذين يشبهونهم في أقاليمنا، فطبيعة هؤلاء البشر كمثل طبيعة الحيوانات البكماء، وهم بحسب رأيي، ليسوا في مستوى البشر، ومستواهم بين أشياء الوجود هو دون مستوى الإنسان، وأعلى من مستوى القرد، لأن لهم أكثر مما للقرد، صورة الإنسان والشبه له». على أن الإرهاب الأمريكي كان بحاجة إلى لمسة يهودية لتحويله إلى هدف ديني، ما جعل أمريكا تتحول إلى بلد إنجيلي حين تتحدث عن صراعاتها الخارجية وحروبها المستمرة منذ الحرب العالمية الأولى وحتى اليوم، وهي، أي أمريكا البلد المؤسس على أيدي المغامرين الأوروبيين والفارين من وجه العدالة في أوروبا والحالمين بالثراء، التي تحولت إلى وطن للتبشير الإنجيلي في كل بلد استطاعت الوصول إليه، بل بلغت حدّ التطرف في حروبها «الدينية» من خلال الخطابات الإعلامية المصاحبة للحملات العسكرية أو الخطابات التي تأتي لاحقاً للتبرير عند حدوث فشل ما كما حدث في الصومال في تسعينيات القرن الميلادي الماضي. لهذا ليس من المستغرب أن تتوافق الذهنية الأمريكية القائمة على أفعال الإبادة والاختطاف والسحق وقتل الأطفال وقطع آذان العدو، كما يفصل في ذلك روجيه غارودي في كتابه «الاستعمار الثقافي والصهيونية»، مع الذهنية اليهودية المؤسسة لدولة إسرائيل على أرض فلسطين، فالدولتان تمارسان الإرهاب بامتياز: «إن كل غزو أو عدوان استعماري هو مشروع باسم المدنية، أما مقاومة الشعوب المُستعمَرة والمضطهدة والمعرضة للإبادة فتحمل، وبلا هوادة، اسم الإرهاب». هذه الذهنية القائمة على الإبادة هي التي ساهمت في إنشاء الجماعات المتطرفة، فهذه المجموعات المتطرفة لم تنشأ إلا بتخطيط ودعم أمريكي في ثمانينيات القرن الماضي، يقول نعوم تشومسكي في كتابه «أحاديث وحوارات قبل وبعد 11 أيلول 2001»: «هذه المجموعات نُظّمت بواسطة المخابرت المركزية والمخابرات الباكستانية والمصرية وحلفاء آخرين للولايات المتحدة. وهم منظّمون ومجتهدون ومدربون ومسلحون لخوض معارك مقدسة ضد الروس». ومن هنا يتضح أن «الإرهاب» سلوك، وإن كان ليس حديثاً، إلا أنه أخذ شكلاً منظّماً في العصر الحديث، كما أنه يقوم على الفعل ورد الفعل ضمن دائرة يصعب فهمها، فتشومسكي يرى في تعريفه للإرهاب بأنه: «استعمال مدروس للعنف ضد المدنيين لإجبار وترهيب السكان المدنيين أو الحكومات من خلال زرع الرعب»، بينما «إقبال أحمد» يعرف الإرهاب بأنه: «استخدام أساليب إرهابية للحكم أو لمقاومة الحكم». ما يعني أن الإرهاب ليس فعلاً فردياً ولا ينشأ بدون مبرر لنشوئه، إلا أن «وجوده» كان ضرورياً لتبرير الجرائم الأمريكية في العالم، فباستخدامها لمصطلح «الإرهاب» بشكل غامض بررت تدخلها في الشؤون الداخلية للدول، ولعل أبرز ما يوضح مأزق تعريف الإرهاب هو ما دار في العالم، ولاسيما بعد 11 سبتمبر 2001م، من أهمية إيجاد تعريف متوافق عليه للإرهاب، حيث إن فوضى تعريفات الإرهاب جعلت الكل يستخدم تعريفا يناسب توجهاته وأهدافه، ولعل أبرز ما يدلل على هذا المأزق مطالبة الرئيس التركي أردوغان للرئيس الأمريكي باراك أوباما ب»إعادة تعريف الإرهاب بصورة خاصة في منطقة الشرق الأوسط»، وهي مطالبة تنم عن وعيه بتعدد التعريفات لهذا المصطلح بتعدد دوافع الإرهاب: «إن إعادة تعريف الإرهاب يمكن أن تتم على أساس الفرد، أو على أساس المؤسسة، أو على أساس الدولة، وإنما المهم إعادة التعريف على جميع الأصعدة». هذه هي النتيجة النهائية للذهنية الأمريكية، فنزوعها للتدمير جعل استخدام القوة المفرطة جزءا أساسياً من سياساتها في العالم، بل استطاعت أن تترك ورائها في كل بلد تحتله من يؤمنون بهذه الذهنية التدميرية وبفاعليتها، التي بدأت تتكشّف رغم الخطابات الإعلامية حول الديمقراطية وحقوق الإنسان، فمن الواضح أن العالم كله يدرك من يقف وراء الإرهاب المنظّم في العالم، يقول هارولد بنتر المسرحي الإنجليزي الفائز بجائزة نوبل 2005م: «الجرائم التي ترتكبها الولاياتالمتحدة في شتى أنحاء العالم جرائم منظمة ومتواصلة ومحددة الأهداف وقاسية وموثقة بالكامل، لكن ما من أحد يتحدث في شأنها».