لقد مر المصريون الآن بتجربة البهجة وخيبة الأمل في انتخاب رئيس جديد. ربما يكون صحيحا أنه عندما يتم التصويت في الجولة الثانية ويتم عد الأصوات، فإن قليلا من المصريين فقط سيكونون راضين تماما بالنتيجة. لكن المهم أن المصريين صوتوا لأنفسهم. حسب الإحصاءات الرسمية، مارس أكثر من نصف المصريين حقهم الانتخابي في الجولة الأولى، وقد توزعت حوالي 75% من الأصوات بين إسلامي وضابط عسكري من عهد مبارك، وعلماني من يسار الوسط حمل راية الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر. الأصوات انقسمت بالعدل بين المرشحين الإسلاميين والعلمانيين، حيث حصل الأمين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى على 11% من الأصوات، فيما حصل المرشح الإسلامي المستقل عبدالمنعم أبو الفتوح على 17% من الأصوات. الآن جاءت مهمتان صعبتان. الأولى، أولئك الناخبون الذين لم يصل مرشحهم إلى الجولة الثانية التي ستكون بين الجنرال أحمد شفيق، وزير الطيران المدني السابق وآخر رئيس وزراء في عهد مبارك، وبين مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي، عليهم أن يقرروا إلى من سوف يعطون أصواتهم. هذه ليست قضية سهلة خاصة بالنسبة لجيل الشباب الذين صوتوا في الجولة الأولى للمرشح الناصري حمدين صباحي، وشكلوا أكبر أغلبية من الأصوات في القاهرة والإسكندرية. كتلة 22% من الناخبين ربما سيقررون نتيجة الانتخابات. غالبيتهم من شبان ميدان التحرير في حركة 25 يناير الذين يفتقدون الخبرة. قال لي صديق مصري إن هذه المجموعة منقسمة بين ثلاثة دوافع: بعضهم محبط لدرجة أنهم يطلبون من أنصارهم الامتناع عن التصويت وآخرون يميلون للتصويت بحسم ضد النظام السابق لصالح السيد مرسي. والبقية يعتقدون أن النظام القديم مات بالفعل، وأن الجنرال شفيق لن يكون قادرا على إحياء النظام القديم وسيتم تهميشه قريبا ويخسر الانتخابات القادمة، ولذلك فإنه الشر الأقل. ثانيا، بين الأجزاء الرائدة في المجتمع المصري، يجب الوصول إلى اتفاقية مشاركة في السلطة، وإلا فإن مصر ستغوص مرة أخرى في الصراع الأهلي. رئيس الاستخبارات السابق عمر سليمان، في مقابلة أجراها مؤخرا مع صحيفة الحياة اللندنية، حذر من أن الإخوان المسلمين يقومون بتشكيل ميليشيات شبه عسكرية، وأن هذا قد يدفع الجيش المصري للقيام بانقلاب. أصدقائي في مصر يسخرون من هذا الكلام. مصر لا تشبه إيران، ولن يكون فيها ما يشبه الحرس الثوري وميليشيا الباسيج. المسيحيون الأقباط هم أقلية مهمة، والأحزاب الإسلامية بينت أنها ملتزمة بالقيام بمسؤولياتها كأغلبية برلمانية ساحقة. هم يتوقعون أن يكون الطريق صعبا أمامهم. الغرب، بقيادة الولاياتالمتحدة، كان مستعدا لعدم التدخل فيما سقط نظام الرئيس مبارك وعانى الاقتصاد المصري نتائج عام من الصراع الأهلي، الذي انهارت خلاله السياحة وتراجع احتياطي العملات الصعبة، بانتظار نتائج الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وبانتظار كتابة الدستور الجديد الذي لم يكتمل بعد والمصادقة عليه. الولاياتالمتحدة ما زالت لا تتدخل. السعودية قدمت مساعدات مالية مهمة مما سمح للمجلس العسكري الحاكم بتجنب شرك قروض صندوق النقد الدولي بشروطه القاسية. قادة مصر يجب أن يقوموا الآن بتقرير كيفية الحكم وكيفية تنمية الدولة. تدريجيا، أتوقع أن مصر ستتولى مرة أخرى موقعا قياديا بين الدول العربية، خاصة إذا تم استعادة نوع من الازدهار الاقتصادي خلال الشهور والسنوات القادمة. علاوة على ذلك، مصر لا توجد في فراغ. فهي دولة يسكنها أكثر من ثمانين مليون شخص، وتصل العالم العربي مع قارة إفريقيا. كما أن مصر ستكون مع السعودية قوة مسيطرة في العالم العربي، وفي وقت ما، سيكون على حكام مصر أن يتصالحوا مع علاقتهم بإسرائيل، التي هي هشة في الوقت الحاضر. هناك الكثير من بناء البنية التحتية الذي تحتاج إليه مصر بشكل عاجل. إدارة المياه إحدى التحديات الكبيرة. تقليص الفجوة بين الفقير والغني أمر أساس. كلما فكرت بالتحديات العنيدة والصعبة التي يواجهها الشرق الأوسط، أفكر في آفاق التغيير تحت خطة الملك عبدالله. الجامعة العربية تبنت مبادئ هذه الخطة التي تتضمن صفقة كبيرة بين العالم العربي وإسرائيل، استنادا إلى حل عادل للقضية الفلسطينية. إنني أؤمن بأن الحلول الإقليمية، المستندة إلى مبادئ التعاون والعدالة، هي أفضل الطرق للتقدم إلى الأمام. خطة الملك عبدالله لم تمت بعد، بل لا تزال إطارا للتعامل مع المشكلات الصعبة التي تواجهها مصر وباقي دول المنطقة. منطقة الشرق الأوسط الكبير كلها تستطيع أن تكون مرة أخرى طريقا تاريخيا للحضارة، وسلة غذاء للعالم كله وفقا لهذه الرؤية، تستطيع مصر أن تنجو من الاضطرابات السياسية الحالية.