كلما مررت بشارع تجاري في حي جديد لم يكتمل بعد، وينقصه كثير من البنى التحتية الضرورية، بل ولا يزال في حاجة إلى مزيد من الأعمال لتوفير شروط السلامة وأمان السياقة أو المشي فيه، إلا وتلتقط عيناك تلك المبانى المنتصبة أمامك بأعمدتها المرتفعة و»سراميكها» البراق، التي تدفعك للنظر اليها، إنها محطات الوقود التي ما أن يبدأ أحدهم في بناء واحدة، إلا و سرعان ما يتبعه آخرون، وكأنها بيوت نأوي إليها أو خيام ينصبها الرعاة عند جدول ماء. ولجعلها أكثر جاذبية للمارة، ويسعى ملاك هذه المحطات في بنائها بأشكال مميزة ومختلفة عن جيرانها، وعلى احتوائها على مختلف الخدمات التي يحتاجها سائقو السيارات، وأيضا على البقالات والمقاصف وربما حتى المطاعم، حيث تبدو وكأنها معلما من معالم الشارع الرئيسية ومجمعا تجاريا يرتاده الجميع. رب قائل يقول إن كثرة محطات الوقود في بلادنا أمر لا غنى عنه، بل هو ضرورة، فنحن نعتمد اعتمادا كليا على سياراتنا الخاصة في كافة تحركاتنا اليومية، وكثرة المحطات هي لتلبية حاجة الناس من الوقود في بلد يعتبر من أكثر البلدان استيرادا للسيارات الجديدة والمستخدمة، بل إن امتلاك السيارة قد يبدو أكثر لزومية من امتلاك المنزل، فهناك من حول سيارته إلى بيت يؤويه ويحميه من المبيت في العراء. ثم إن هذه المحطات لم تخالف اشتراطات المواقع داخل المخططات الهيكلية المعتمدة للمدن والقرى والمنصوص عليها في لائحة محطات الوقود والغسيل والتشحيم (اللائحة)، والتي تنص على «أن لا تقل المسافة بين محطة وأخرى عن (500م) خمسمائة متر في نفس الاتجاه على الشارع الواحد».. التجاري. وأنها ليست بقريبة من مصانع أو قصور أفراح أو مستشفيات أو مدارس. (يجب أن لا تقل المسافة التي تفصلها عن هذه المنشآت عن 25 مترا). وأن اللائحة لم تجعل المنازل السكنية أو المكاتب التجارية ضمن هذه المنشآت. وعليه ووفقا لنصوصها؛ التي لم تشترك وزارة الصحة ولا الرئاسة العامة للأرصاد و حماية البيئة في إعدادها، وليسوا من الجهات الحكومية المعنية بأصدار التراخيص أو مراقبة التزام المحطات بشروطها؛ فليس هناك خرق لها أو تعارض مع مضمامينها، وأن بناء أربع أو ست محطات في شارع ذي اتجاهين و طوله خمسة كيلو مترات، أمر مقبول ويستجيب لحاجتنا لهذه المحطات! وهذا ما يجعل من كثرة هذه المحطات في مناطق سكنية أمرا مبالغا فيه، وينم عن تطبيق حرفي وشكلي للائحة ودون أية رؤية أو اعتبارات أخرى. لقد تعرفنا على محطات الوقود بعد اكتشاف البترول، وقد ظل عددها محدودا، ولم يتم التوسع في بنائها إلا مع تمدد شبكة الطرق البرية. وقد بقيت لفترة من الزمن بسيطة الشكل والخدمات، لا كمحطات اليوم التي يتبارى أصحابها في إضفاء البهرجة على مظهرها الخارجي، دون أن يعطوا لمستويات النظافة والسلامة الاهتمام الذي نصت عليه اللائحة.