كثر الحديث في العامين الأخيرين عن انتهاء عصر الصحافة الورقية وغلبة الصحافة الإلكترونية، والذين تبنوا هذا الرأي استدلوا بالإقبال الكبير على الصحافة الإلكترونية من جهة وتحول بعض الصحف والمجلات الورقية إلى إلكترونية، وحدد بعضهم انتهاء هذا العصر بحلول عام 2040، أي بعد أقل من ثلاثين عاما، وتطرف القطب البارز في مجال التكنولوجيا نيكولاس نيغروبونتي بتصريحه أن أيام الكتاب الورقي أصبحت معدودة، وقدر في مقابلة مع cnn في أكتوبر 2010 أن ذلك سيكون في غضون خمسة أعوام أي أقل من أربعة أعوام من الآن فيما يتصفح كثير من رجال الأعمال والموظفين والشباب الصحف في مواقعها الإلكترونية، وصحيح أن أرقام مبيعات الصحف قد انخفضت في العالم كله منذ 2008 ولحق بصحفنا الورقية انخفاض مماثل مع اختلاف النسبة زيادة أو نقصا حسب طبيعة وظروف كل صحيفة، إلا أن الصحافة المطبوعة في بلادنا تحديدا مازالت قابلة لاستيعاب أكثر من صحيفة وذلك يعود في رأيي إلى أن السوق السعودي لم يصل إلى مرحلة تشبع، فالسعودية يصل عدد سكانها من المواطنين ومن المقيمين الذين يقرأون بالعربية حوالي 25 مليونا ومتوسط نسبة الأمية حوالي %7 بين الرجال والنساء، وعدد الصحف اليومية 14 صحيفة، والكويت يبلغ إجمالي عدد سكانه حوالي ثلاثة ملايين ونصف المليون وعدد صحفها تزيد على أرقامنا قليلا، في الوقت الذي زادت فيه تراخيص الصحف الإلكترونية على ثلاثمائة ترخيص، مع أن عدد القراء الورقيين في العالم يبلغ 2,3 مليار مقابل 1,9 مليار قارئ إلكتروني وبعضهم يقرأ الصحيفة الورقية في نسختها الإلكترونية. لكن تظل الصحف الورقية مصدرا مهما للأخبار المحلية والرأي والتحليلات وما وراء الخبر بإمكاناتها المادية وشبكة مراسليها، والمتصفحون على الإنترنت إنما يقرأون الصحيفة نفسها بنسختها الإلكترونية، وتتبادل القنوات الفضائية والصحف الورقية والإلكترونية الأخبار والمقالات فيما بينها في حين يظل المورد الرئيسي للصحف هو الإعلان الذي تتقاسمه القنوات والصحف ويختص كل منهما بأنواع معينة من الإعلان، والإعلان الإلكتروني مازال ينمو ببطء شديد مقارنة بالتسارع التكنولوجي، والصحف السعودية تتفاوت في أدائها وحين تصدر صحيفة جديدة تواكب روح العصر وترضي متطلبات القراء وتشبع نهمهم، فإن في كعكة الصحافة السعودية مساحات بيضاء متاحة لأكثر من صحيفة جديدة متى ما توافرت فيها مقومات الصحافة الحقيقية بمهنيتها العالية ومصداقيتها التي يبحث عنها القارئ وتكون صوتا صادقا وأمينا من جهة، ورأيا صريحا مستشرفا للمستقبل بعيدا عن أداء الصحف الحكومية وشبه الحكومية التي سقطت سقوطا مريعا خلال العام المنصرم.