يسابق حسن نصر وأبناؤه الستّة الزمنَ كي يقطفوا الزيتون الذي حرموا من قطافه لسنوات، على أطراف بلدة بيت حانون، المطلة على الخط الفاصل بين قطاع غزة والأراضي المحتلة عام 48، هذه منطقة أمنيّة، ولا يسمح الاحتلال لأحد بدخولها، ويساعد مجموعة من الشبان الفلسطينيين والمتضامنين الأجانب مئات المزارعين الواقعة أراضيهم في تلك المنطقة بعمق ستمائة متر.«انتهت المهمة دون ضحايا هذه المرة»، بهذه العبارة بدء خليل عيسى، أحد المسؤولين في المبادرة المحلية التي تنظم هذه الفعاليات، حديثه ل»الشرق». مضيفاً «في كثير من الأحيان يصيب رصاص الاحتلال أحد المزارعين، أو حتى النشطاء، فهو يريد بقاء هذه الأرض بوراً، ويتفنن في إيذاء كل من يحاول عكس ذلك؛ لأن الحياة في هذه المنطقة تسبب الخطر له كما يدعي».في قرية الفراحين الواقعة وسط قطاع غزة، كان المشهد أكثر سخونة؛ فملاصقة القرية للشريط الحدودي بشكل مباشر، ترك في كل بيت من بيوتها جرحاً يتجاوز فقدان الأرض إلى فقدان الأبناء والأقارب، محمد أبو دقة (25 عاماً)، مزارع من القرية ذاتها، وصف ل»الشرق» معاناة أهلها بالقول «لم نعد نجد من نستأجره لمساعدتنا في حصاد أرضنا؛ فالموت يحيط بنا من كل جانب، أخي استشهد وهو يزرع الأرض، وكل جدار في بيوتنا فيه أثر لقصف. باختصار، نحن على (خط النار)».الرحيل عن القرية يبدو وسيلة سهلة للتخلص من هذا الكابوس، لكن محموداً يعدّه فكرة مرفوضة تماماً «فهذه أرضنا التي زرعها أبناء قريتي منذ مئات السنين، ومن هنا نكتسب قوتنا وقوت أطفالنا، كل ما نستطيع أن نفعله هو الاعتماد على الله وترك الأمور تمضي بمقاديره». الحاج جبر أبو رجيلة (52 عاماً)، مزارع آخر من القرية نفسها، لم يطأ أجزاء واسعة من أرضه منذ عشر سنوات؛ لوقوعها مباشرة على الحدود، لكن ذلك لم يمنعه من اصطحابنا إلى أقرب نقطة من أرضه، وهناك كان من السهل رؤية الجرافات الإسرائيلية وهي تجرف الأرض لمرة لم يتذكر الحاج جبر رقمها؛ لكثرة ما قامت بذلك. يقول الحاج جبر «بيني وبين جرافات الاحتلال حكايات طويلة، كانوا يتركونني أزرع وأسقي، وقبل أيام من الحصاد تأتي الجرافات الإسرائيلية لتتلف المحصول، وتهرسه تحت عجلاتها، ويهرسوا معها قلبي، إلى أن منعوني نهائياً من الوصول إلى أغلب الأرض، لكني مازلت أزرع ما تبقى منها، وسيكون ذلك آخر ما أقوم به في حياتي».