تحت عنوان “مستقبل الإعلام”، عُقد مؤتمر IGNITION الذي حضره ما يقارب 500 شخص، إداريون تنفيذيون لشركات مهمة، وعاملون في مجالات الإعلام التقليدي، جنباً إلى جنب مع العاملين في الإعلام الجديد أو الفردي، إضافة إلى عدد كبير من المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال، والمهتمين جميعاً بمستقبل الإعلام ك “صناعة مربحة”! من أبرز المتحدثين في المؤتمر كان «آدم بين» الرئيس التنفيذي للعوائد في تويتر منذ عام 2010 والذي سبق له أن عمل في مؤسسات إعلامية تقليدية، مثل مجموعة فوكس الإعلامية, لأكثر من ثلاثة عشر عاماً، كما سبق له العمل قبل ذلك في صحيفة لوس أنجلوس تايمز. وقد تحدث “بين” بكل فخر عن الحملات الإعلانية الناجحة، التي قام بها «تويتر»، ومنها حملة ترويجية استمرت ليوم واحد فقط لشركة Virgin، داخل المدن الأمريكية فقط، فكانت النتيجة زيادة في نسبة المبيعات في ذلك اليوم، لتصبح خامس أعلى نسبة مبيعات في تاريخ الشركة. أخبار المؤتمر أعلاه، تجعلنا نلاحظ هذه النقلة الواضحة في سوق الدعاية والإعلان عالمياً، والتوجه الكبير لفضاءات الإنترنت، من قبل المعلنين المستفيدين. كرافد لسوق الإعلان التقليدي وليس قطيعة معه، فالجزم الحالم بتلاشي أدوات الإعلام التقليدي أو سوقه الإعلاني، يُضيع هو أيضاً فرص البحث الجاد عن “التكامل” بين هذه الأدوات، ويهمل النظر للجديد منها، من خلال قيمتها الأهم كأداة أكثر فاعلية، نستطيع باستخدامها أن نضيف للتقليدي وأن نطوره. ما تزال شكوانا الأكثر رواجاً في الإعلام العربي حيال هذا الأمر، تتعلق بعزوف المعلن عن فضاءات الانترنت، وعدم ثقته بجدوى الإعلان الرقمي، ولكن بالعودة للمؤتمر المذكور أعلاه مرة أخرى، نستطيع أن نعرف لماذا يثق المعلن العالمي بجدوى مثل هذه الإعلانات.فالأمر منوط بجهود “مؤسسات الدعاية والإعلان” وقدرتها كوسيط بين المعلن والمستهلك على خلق مثل هذا الوعي، عن طريق عقد ورعاية مثل هذه المؤتمرات باستمرار، وعن طريق العمل كمراكز بحوث علمية تستطيع تقديم الدراسات والإحصاءات الدقيقة التي يمكن الوثوق بها، بل والاعتماد عليها من قبل متخذي القرار في الشركات المعلنة. فمثلاً، من أبسط الأمور، التي تجعل مواقع التواصل الإجتماعي ومن يتكامل معها من المواقع والصحف الإلكترونية الأخرى، ذات استقطاب عالٍ للمعلنين، هو أن مثل هذه المواقع أصبحت تستطيع استهداف الشريحة التي يريدها المعلن مباشرة، من خلال معلومات بسيطة، يحصل عليها الموقع من مشتركيه مباشرة، بمجرد أن يضعوا اهتماماتهم وهواياتهم في الخانة المخصصة لذلك، مع ضرورة سماحهم – طبعاً – باستخدامها لتلقي ما يناسبهم من عروض. ولعل من أعظم مزايا هذه الطريقة، أنها تقلل كثيراً من الهدر الحاصل حين يستهدف الإعلام التقليدي (ورقياً أو تلفزيونياً) شريحة كبيرة من المستهلكين دون أي معلومات مسبقة عنهم. فالوعي بهذا الفرق يزيد من القدرة على توجيه الإعلانات عموماً، بالشكل الأكثر تركيزاً وجدوى. بحيث يتم توزيع الإعلانات وفرزها بناء على نوعيتها وطبيعتها، وكما أن هناك من الإعلانات ما هو بحاجة الطباعة ليدوم فترة أطول، هناك أيضاً ما هو رقمي يحتاج التفاعل بشكل لحظي ومباشر. هذا فضلاً عما تحمله ثورة الهواتف المحمولة الذكية وتطبيقاتها، التي بمجرد أن تسمح لخاصية “تحديد المكان” فيها بالعمل، فإنك تتيح لبعض هذه الشركات الإعلانية إمكانية تحديد مكانك، واقعياً من خلال خطوط الطول والعرض، وافتراضياً من خلال الموقع أو التطبيق الذي تفضله، ثم يقومون هم، وليكن في وقت الغداء مثلاً، بتحديد أقرب مطعم مجاور لك، ليرسلوا لك “إعلاناً مدفوعاً” وموجهاً لشخصك الكريم، يُباغتك في أضعف لحظاتك (لحظة الجوع) فلا تجد بداً من زيارة هذا المطعم القريب! من المثالية بمكان أن نعتقد بأن المحتوى الجيد اجتماعياً وثقافياً، والمنافس إعلامياً، بإمكانه أن يستمر في هذا الزمن، دون ابتكار، أودون دعم مادي ومالي، لا يمكن توفيره إلا من خلال هذا التبادل الاقتصادي الثقافي، بين صاحب المحتوى من جهة وبين المستهلك والمعلن والوسيط من جهة أخرى. لذلك فمن الطبيعي أن تكون “الجودة” في العمل والأداء التي يتطلع لها أشخاص مثل “آدم بين” تُدرِك قبل كل شيء بحسب تعبيره أن “هذا العالم كبير جداً”، لذلك لا بد من السعي ل “تقليص هذا الحجم”، حتى تستطيع أنت كمستخدم “عزيز” لخدماتهم، أن “تضع العالم كله في جيبك”! وأخيراً، هل سيدرك “المعلن العزيز” لدينا هو أيضاً، وقبله المسوِّق ، حجم هذا “السوق الذكي”، الذي يستطيع وضعه في جيبه إذا ما أراد ذلك؟!