يستند التعامل بين البشر إلى مرجعيات واضحة منضبطة تحكم العلاقة بينهم ويحتكم إليها الناس عند حدوث الخلاف، وبها يقيسون درجة النجاح أو الفشل أو الإنجاز والتقاعس أو الخير والشر، ولهذا السبب نزلت التشريعات وسنت القوانين ووضعت الأنظمة على مر الأزمان واختلاف الأمكنة وتعاقب الأمم والشعوب، ولا يمكن أن تحل محلها أمور غامضة أو ضبابية لايمكن قياسها أو الرجوع إليها، وحين تدخل مثل هذه الأمور بين الناس فإن ذلك يفتح المجال واسعا للأدعياء والدجالين والمرتزقين بالباطل، ينجح في ذلك أصحاب الذكاء الاجتماعي الذين يلعبون بذكائهم وقدراتهم على الناس وكل الذي يمتلكونه هو الفهلوة واللعب بالثلاث ورقات، ومن هذه المساحات البيضاء غير المنضبطة أو المحكومة بقوانين وأنظمة تفصل بين الصدق والكذب والحقيقة والادعاء والإخلاص والدجل موضوع الرقية الشرعية وفك السحر والعين وتعبير الرؤيا وتفسير الأحلام، التي أصبحت صناعة استطاعت أن تكون لها شبكاتها ورموزها وآلياتها وأسعارها، ونشأت حولها منتجات مساندة كزيت الزيتون والزمزم المقروء عليهما وبعض الأعشاب وخطوط الاتصال الهاتفية والرسائل مدفوعة القيمة والقنوات الفضائية والرسوم الذكية التي لا تحدد مبلغا وإنما تترك لتقدير المريض المحتاج للعلاج أو مجانا مقابل تحصيل السلطة الاجتماعية والوجاهة، وبعد أن استفحل الأمر لم يجد سماحة مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء ورئيس اللجنة الدائمة للإفتاء بدا من التحذير من بعض المعبرين ومفسري الأحلام ومدعي الرقية الشرعية الذين يحتالون على الناس بالباطل وهم جهلاء وكذابون ويخدعون المرضى بأشياء ليست فيهم ليحصلوا منهم على الأموال ويجعلونهم يتبعونهم لأشهر عديدة ليستنزفوهم ماديا، وقدم سماحة المفتي وصفة أبسط وأفضل كثيرا من ذلك وهي اللجوء إلى الله والابتهال إليه بالدعاء وأن يصبر ويحتسب ويرضى بقضاء الله ويأخذ بالأسباب النافعة التي تعينه على تجاوز هذه الأحداث، وسماحة المفتي يعيد بذلك العلاقة المباشرة بين العبد وربه بعيدا عن هؤلاء «الدجالين الأفاقين الذين لا يتقون الله» وجعلوا أنفسهم واسطة بين العباد ومالك الملك سبحانه وتعالى.