يقرؤها: عبدالمحسن يوسف يرسمها: معتصم هارون لأنه شاعر مبدع ويكتب شعراً صافياً، تأتي ترجمته لشعراء «الضفاف الأخرى» عذبةً وصافية.. لقد صقلت حبره الأيام، كما شذبت تجربته الطويلة في حقل الكتابة الشعرية تلك الزوائد التي قد تطل برأسها في فضاء النص الذي يعكف على ترجمته، كما شذبت التفاصيل التي لا قيمة فنية حقيقية لها.. لقد صيرته التجربة «بستانياًّ» بارعاً في اجتثاث الأعشاب التي تتطفل على جماليات البستان، وتشوه حُسْنَ الأشجار التي يصطفيها.. عبد الكريم كاصد حين يعكف على ترجمة نص شعري يتحول إلى بستاني حصيف، يعامل القصائد كما لو كانت أشجاراً، يليق بها أن تتبرج، ويحرص على تشذيب زوائدها كي تمارس فتنتها كما ينبغي لحسناء أنيقة.. عندما قرأت ترجمة عبدالكريم كاصد لخمسين قصيدة فقط من ديوان (كلمات) للشاعر جاك بريفير.. وجدت أن كاصدا كان مقتصداً في لغته وهو يترجم قصائد بريفير، فضلا عن تميز هذه اللغة، لسبب بسيط هو أن كاصدا شاعر مبدع، وليس مترجما فحسب، يظهر ذلك جليا في مفرداته وعباراته المختارة بعناية، حيث جاءت لغته منسجمة مع تلك الروح التي يتطلبها أي عمل شعري خلاق، فما بالك إذا كان ذلك العمل الشعري لجاك بريفير الذي يقول عنه عبدالكريم في مقدمته للطبعة الأولى الصادرة عن دار ابن رشد ببيروت في العام 1981: «ما من شاعر أكثر اقتصاداً من بريفير في صوره»..ويضيف: «في هذا الشعر ليس ثمة من تكرار، غير تكرار الرؤية الثاقبة، والانفعال العميق للواقع» .. وينهي كلامه قائلا: «لقد آثرنا في ترجمتنا هذه أن نقترب من نبض شعر بريفير وروحه التي تشيع في شعره» .. وكان لكاصد ما أراد.. لقد تجلت براعته، وتألقت لغته، وبدت أكثر تقشفاً وجمالاً ..كما بدت أكثر اقتراباً من ضفاف الشعر.. فمفردات كاصد حين يترجم قصائد الآخرين تنتمي إلى العائلة الشعرية، حيث الصفاء والرقة والعذوبة.. إنني أشبّه مفرداته بالغصون، أما المفردات التي يستخدمها بعض موظفي دكاكين الترجمة فإنني أشبهها بالحطب! تحية عالية للشاعر المبدع عبدالكريم كاصد الذي عكف طويلاً على ترجمة شعر «الضفاف الأخرى» إلى لغة الضاد، والذي فتح لنا كثيرا من النوافذ كي يدخل منها الضوء والهواء والرؤى الفاتنة..