انتظر ساعة وساعتين من أجل أن يجد سيارة أو وسيلة نقل تنقله لأحد المستشفيات القريبة من قريته فلم يجد، نزف دماً لخمس ساعات متواصلة حتى تخمرت ساقه وأتلفت تماماً، ليقررالأطباء بعد وصوله إليهم بترها بالكامل لأنها أصبحت غير صالحة للاستخدام، هذا هو حال محمد العبدلي، أحد سكان قرية البيضاء، (ثلاثين كيلومتراً جنوب مكَّة المكرَّمة)، الذين تعودوا على مشاهدة أبنائهم يموتون يوماً وراء آخر دون أن يحركوا ساكناً، بعد أن رفضت صحة مكَّة فتح مركزهم الصحي الوحيد لسبع سنوات متواصلة. واستغرب سكان قرية البيضاء، من إهمال مديرية الشؤون الصحية في العاصمة المقدسة، وتجاهلها طلباتهم المتكررة بتشغيل المركز الصحي الخاص بقريتهم، دون معرفة أسباب التجاهل، شاكين لمن يهمه أمر حياتهم وحياة أبنائهم التدخل لإنقاذ الأرواح البريئة التي تتعرّض بشكل يومي للإزهاق، بسبب وقوع قريتهم على امتداد الطريق الساحلي الدولي، وهو ما يتسبب في وقوع عدد كبير من الحوادث المميتة، وعلى الرغم من أن المركز جهز فعلياً بعد أن تبرّع بإنشائه فاعل خير واستلمته المديرية، إلا أنها وطوال سبع سنوات مضت لم تحرّك تجاهه ساكناً، وتركته مرتعاً خصباً للكلاب الضالة، ومأوى محبباً للعمالة السائبة. وطالب أحد سكان القرية بمحاسبة المسؤول عن التجاهل لأهالي القرية طوال السنوات الماضية، والتي راح ضحيتها آلاف الأبرياء من المواطنين أو حتى العابرين للطريق الذي يربط القرية بمكَّة المكرَّمة، وقال خالد الجحدلي ل»الشرق» إن أهالي القرية يعانون أشدّ المعاناة حال مرض أحدهم، ويضطرون لقطع مسافة طويلة تقترب من أربعين كيلومتراً للوصول إلى أقرب مستشفى أو مستوصف صحي»، مؤكّداً أن غالب سكان القرية لا يملكون سيارات أو وسائل نقل لقطع المسافات الطويلة لفقرهم وضعف أحوالهم المادية، ما يضطرهم في أحيان كثيرة إلى الوقوف جانب الطريق لفترات طويلة حتى يتفضل أحد المارة بإيصالهم للمستشفى أو يموت مريضهم في انتظار أمل مفقود. وأوضح الجحدلي أن سكان القرية جد مستغربين من تجاهل مديرية الشؤون الصحية في مكَّة لمستوصفهم، مشيراً إلى أن فتح المستوصف أمام المستفيدين من أبناء القرية سيكون له مردوده الإيجابي على المدى القريب والبعيد، فضلاً عن أنه سيريح الكثير من الأهالي من المعاناة المستمرة، وسيعمل على حمايته من يد العبث بعد أن طالته خلال الفترة الأخيرة، وتعرَّضت أدواته وممتلكاته للسرقة والتخريب. من جانبه، أكّد أحد سكان القرى المجاورة للبيضاء ل»الشرق» أن المسافة الطويلة التي يقطعونها للذهاب إلى أحد المستشفيات واستغراقها وقتاً طويلاً يؤدِّي إلى عدم إدراك بعض الحالات، ولفت محمد العبدلي إلى أنه يذكرعن نفسه أنه قبل فترة تعرّض لحادث مروري بالقرب من منزله فنقل على سيارة « وانيت « إلى مركز إمارة البيضاء لانتظار الإسعاف لنقله إلى المستشفى واستغرق نقله وقتاً طويلاً وهو ينتظر ما أدَّى إلى تلف ساقه ومن ثمّ بترها. وشدَّد أحد مرتادي قرية البيضاء سلطان الشريف أن المركز الصحي حال فتحه أمام المرضى والمصابين لن يخدم قرية البيضاء فقط، ولكن هناك ستة قرى أخرى ستستفيد من المستوصف، وقال من الضروري فتح المستوصف الموجود في القرية لشدّة حاجة سكان القرية له وحاجة الطريق له لكثرة الحوادث في ذلك الطريق الخطر، ولابد من توفير سيارة إسعاف في المستوصف لنقل المصابين في الحوادث المرورية، ولنقل المرضى من منازلهم لعدم وجود سيارات لبعض أهالي القرية». حاولت «الشرق» الاتصال بمديرية الشؤون الصحية في مكَّة المكرَّمة لمعرفة أسباب تأخرها في فتح مستوصف البيضاء الصحي، ولكنها لم ترد على كافة الاتصالات، وفضّلت التزام الصمت حيال الموضوع تماماً. بوابة المركز الصحي وقد أغلقت تماماً منذ زمن بعيد (تصوير: تركي السويهري)