لم يبق من سرد إنجازات هيئة مكافحة الفساد أمام خادم الحرمين سوى عشرة أشهر من الآن، وذلك بناء على المادة الرابعة عشرة من اللائحة التنظيمية ل(النزاهة)، التي نصت على «يعد الرئيس تقارير يرفعها إلى الملك، وفقا لما يأتي: تقرير سنوي خلال (تسعين) يوماً على الأكثر من تاريخ انتهاء السنة المالية، يتضمن ما أنجزته الهيئة خلال السنة السابقة، وما واجهها من صعوبات، وما تراه من مقترحات، تقويم لوضع النزاهة والفساد في المملكة خلال سنة التقرير»، وقبل ذلك التقرير وتحديدا في التاسع من ديسمبر المقبل ما هو الإنجاز الذي ستفخر به أمام العالم في يوم مكافحة الفساد؟ ماذا ستذكر الهيئة بعد عام وثلاثة أشهر من التأسيس؟ هل ستتفاخر بما تنشره في وسائل الإعلام من رصدها لتعثر تنفيذ مشروع مدرسة الخيالة بقرية أبو الراكة أو تدشينها لموقعها الإلكتروني، أم إنها ستفتخر بمتابعة مخالفات مستشفى رنية العام ووقوفها على عدد من طرق منطقة جازان؟ هل ستتفاخر باكتشافها لتعثر تنفيذ مشروع مدرسة الجروف التابعة لأحد المسارحة بمنطقة جازان؟ أو لتهديدها بأنها ستقوم بنشر أسماء الجهات التي لا تتجاوب معها؟ أم إن موافقتها بإرسال ممثلين لها لرصد ملاحظات على مستشفى عفيف سينال الثناء والتقدير مقارنة ب(الحلم) الذي وضعت من أجل تحقيقه، أو لتكليفها أحد منسوبيها للوقوف على مركز ثادق الصحي؟ إن إيجاد هيئة تعنى بمكافحة الفساد الذي عرفته منظمة الشفافية الدولية بأنه «كل عمل يتضمن سوء استخدام المنصب العام لتحقيق مصلحة خاصة ذاتية لنفسه أو لجماعته» لم يكن الهدف منه تلك (الإنجازات) المتواضعة لهيئتنا الموقرة خاصة في سنتها الأولى على الرغم من وجود ملفات أكثر (سخونة) وذات ارتباط بهموم المواطن (الكبرى) كفتح ملف (انهيار) سوق الأسهم الذي كان ضحيته آلاف المواطنين لايزال بعضهم قابعاً في السجون بعد أن خسر (تحويشة) العمر، أين هي من تأخر الحكم القضائي في كارثة سيول جدة والتكتم عما يحدث ضمن تلك القضية، لماذا لم تمارس سلطتها مع (المتكاملة) وما أحدثته من فزع! إن قادة (نزاهة) أزعجوا أنفسهم بالتفاصيل والظهور الإعلامي (غير المخطط) دون إدراك قوة نظامهم ومسؤوليتهم التي من أجلها أنشئت (الهيئة) فلو كان الهدف منها ما ذكر من إنجازات لاختار (المشرع) اسم هيئة المتابعة لقرارات ومشروعات الدولة أو كانت إحدى إدارات هيئة الرقابة والتحقيق التي لا نعلم مدى فائدة (الشق) الأول منها المتمثل بالرقابة في ظل وجود هيئة مكافحة الفساد. نعلم أن عمر (الهيئة) لايزال في مقتبله ونثق كذلك في (ذكاء) رئيسها لما يحمله من تاريخ مهني نزيه، ولكن تلك البدايات جاءت مخيبة لآمالنا، فخمسة عشر شهرا كانت كفيلة بأن تغرس أقدامها وأن تضع الخطط التشغيلية للإستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد التي صدرت قبل إنشاء (الهيئة) بستة أعوام وأن تكون هناك آليات عمل واضحة خاصة وأن جميعنا يعلم أين تكمن مشكلاتنا. كنا نتمنى من (هيئتنا) أن تقص رؤوس الفاسدين (الكبار)، أن تطالب بإنشاء منظمات المجتمع المدني لتكون عونا لها على مكافحة الفساد، أن (تحارب) من أجل سلطة إعلامية مستقلة وحرة، فالشفافية في التعامل مع قضايا الفساد وإشراك الصحافة والمواطنين أمر بالغ الأهمية من أجل فاعلية الإجراءات الحكومية والرسمية. كنا نأمل بتنظيم قاعدة معلومات وطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد تشتمل على الوثائق النظامية والإدارية ورصد المعلومات والبيانات والإحصاءات الدقيقة عن حجم المشكلة وتصنيفها وتحديد أنواعها وأسبابها وآثارها وأولويتها ومدى انتشارها زمنياً ومكانياً واجتماعياً قبل أن تناقش مشكلة مدرسة أو مركز صحي. كنا نطمح كمواطنين (ليس لهم سوى الله) أن تكون تلك الهيئة كالطبيب الجراح يعالج الاختلالات التنظيمية لمؤسساتنا الحكومية ويصحح اتجاهات أنظمتها (المترهلة) لبناء نماذج مؤسساتية وفق أسس علمية تلائم بيئة الشفافية والحد من الفساد. أن تساهم في إيجاد القنوات الرسمية للسماح بالوصول إلى المعلومات بشكل منتظم ومنهجي، أن تجعل (لما لها من سلطة) بيانات الذمم المالية لمسؤولي الدولة وكبار الموظفين متاحة أمام وسائل الإعلام والجمهور من أجل تعزيز الشفافية والرقابة المجتمعية؛ فتحقيق حرية الحصول على المعلومات والنفاذ إليها يزيد من إمكانية محاربة الفساد والقضاء عليه. إن إتاحة الحرية الكاملة والمسؤولة لمنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام والحصول على المعلومات بشفافية وتعديل أنظمة المؤسسات الحكومية واختيار (القادة) على أسس علمية وجديرة بإدارتها مع وجود خطة تشغيلية (قابلة للتطبيق) وذات أولويات عمل هي الخطوات الأولى التي كان من الأولى (منهجيا) اتباعها لانطلاقة صحيحة لهذه المؤسسة التي نتكل عليها في تحقيق العدالة الاجتماعية وجز الفساد وترسيخ مبادئ النزاهة في الجانب الاجتماعي والاقتصادي والقضائي والسياسي.