” قام الفلاسفة حتى هذه اللحظة بتفسير العالم ، و ينبغي علينا الآن العمل على تغييره”.. أعلنها كارل ماركس منهياً حقبة تفسير الإنسان القديم وابتداء حقبة جديدة ، وهي حقبة تغيير الإنسان الحديث الذي تجاوز الخضوع المطلق لسيادة الطبيعة وما وراء الطبيعة “الميتافزيقيا” ، مُطالباً بالحقوق والعدالة التي استفتى فيها عقله وتجاربه، و من هذا المنطلق بزغت شمس “الأيديولوجيا” في التاريخ الإنساني كوسيلة تفكير وتغيير، الهدف منها تعديل وترميم الخلل في هندسة العالم، وردم ثغرات توزيع المقادير وإنهاء عصر الإقطاع . وإذا تأملنا “الأيديولوجيا “العربية التي ترفع شعار الإسلام كأداة تغيير سياسية ، نُصاب بارتباك في مفهوم الحداثة المنشودة، لأنه بمجرد أن نطرح هذا السؤال الشائك: “كيف يكون التغيير الحداثي ؟ ” فإننا نجد على الفور من سيستغل الدين للإجابة على هذا السؤال وسيقصي في ذات الوقت كل الأفكار والاجتهادات الدنيوية ، ليحيط نفسه آو جماعته بهالة من القداسة ، لا تجتمع وشفافية المحاسبة والسؤال المكفولة لكل مواطن . لذلك ومن أجل حماية مسار التغيير الذي يطمح إليه المواطن العربي ، يجب على الشعوب العربية التي دفعت الكثير من الدماء أن ترى “النهضة” و”الإخوان و”السلفيين” كأحزاب سياسية فقط ، بمعزل عن أي تقديس، وأن تعلم أن وجودها مرتبط بخدمة المواطن والوطن والتنمية ، أما الدين فلا يجب أن يستخدم كأداة لأغراض سياسية، بحجة الحفاظ عليه ، فهو محمي دائماً في قلوب الأنقياء والصادقين ممن لا يتعاطون كذبة السياسة ولا لمنابرها ، و بهذه الطريقة فقط نكون أنقذنا ربيع التغيير الديمقراطي.
مهمة إنقاذ أيديولوجيا التغيير التي حملها المواطن العربي في هذا الزمن المتسم بالانفجار التقني والمعلوماتي، أصبحت ممكنة بعد تاريخ طويل من حكم المماليك والاستعمار ومخلفاته ، لأن كل طرف في هذه التيارات من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار أوالوسط ، يحفظ إخفاقات ومكتسبات أنداده جيداً من خلال دروس التاريخ المقدمة .ولأن العالم الغربي بلغ “ما بعد الحداثة” من بعد سنوات طويلة ، خاضها في الديمقراطية السياسية الكاملة التي صهرت أفكار اليمين واليسار من خلال التداول السلمي للسلطة كما حولت الأيدلوجيا الغربية إلى “ما بعد الأيديولوجيا” كنموذج تجديدي لديمقراطيتها . سهل على العربي بعد كل هذا ، أن يزيح عن روحه كل هزائمه التي تجرعها من الغربي المنتصر، وأن ينعتق انعتاقاً خالصاً من عقده ونظرياته المؤامراتية و أن يخوض الحداثة بتكلفة أقل في زمن ما بعد الحداثة .