الرياض – واس «الاستفزاز الإيراني» و«الربيع العربي» يفرضان وقفة لحفظ مصالح شعوب الخليج سيصبح عدد سكان الاتحاد 27 مليون نسمة دون الأجانب التكامل الدفاعي سيكون مقدمة للتنسيق الأمني وبديلاً عن التحالفات المتغيرة أكد وزير الخارجية، الأمير سعود الفيصل، أن التهديدات على المستوى الإقليمي والدولي تستدعي العمل الجاد من قِبَل دول مجلس التعاون الخليجي للتحول من صيغة التعاون إلى الاتحاد. وقال وزير الخارجية، في كلمةٍ ألقاها نيابة عنه أمس الأمير عبدالعزيز بن عبدالله بن عبدالعزيز خلال افتتاح مؤتمر «الشباب الخليجي: دول الخليج العربية من التعاون إلى الاتحاد» الذي ينظمه معهد الدراسات الدبلوماسية في فندق الريتز كارلتون في الرياض، إن هذا المؤتمر ينعقد في وقتٍ أصبح فيه جل اهتمام القادة وصناع القرار والمفكرين هو البحث في كيفية مواجهة التحديات الراهنة والمستجدات على الصُعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية وتأثيراتها على دول وشعوب الخليج. وأضاف أن تصعيد المواجهة بين إيران والمجتمع الدولي حول برنامجها النووي، واستفزازها المستمر لدول مجلس التعاون على نحو خاص واستمرار معاناة الشعب الفلسطيني، إضافة إلى تداعيات ما تمر به العديد من دول المنطقة من تغييرات سياسية واسعة في إطار ما أصبح يُعرَف ب «الربيع العربي»، كل هذه المستجدات تستدعي منا وقفة للتأمل وإرادة صلبة للتعامل معها حفاظا على مصلحة دول مجلس الخليجي، ووحدة أراضيها، وسلامتها الإقليمية، والسلم المدني واستقرارها ونموها. وتابع وزير الخارجية «إن مصادر هذه الأزمات تشعبت بصورة كبيرة، فظهرت على الساحة الدولية العديد من الظواهر والعوامل الدولية مثل الإرهاب، والتلوث البيئي، والاحتباس الحراري، والأمراض الوبائية، والأزمات الاقتصادية، التي تتطلب عملاً جماعياً مشتركاً لمواجهتها، وأصبحنا في ظل هذه الظواهر نشهد أشكالا جديدة من الصراعات وأنماطا مستجدة من المواجهات إضافة إلى أساليب الصراع التقليدي بين الدول، والذي مازال حاضراً مع استمرار بعض الدول في السعي إلى فرض هيمنتها ونفوذها على الدول الأخرى والتدخل في شؤونها، متجاهلة بذلك مبادئ القانون الدولي، ومطالبات المجتمع الدولي الداعية للتعايش السلمي، والتعاون البناء بين جميع أفراد الأسرة الدولية، ومتجاهلة أن الأمن والاستقرار لا يتحققان بطرق التدخل وأساليب الهيمنة أو السيطرة، أو تبني منهج القوة والتهديد». وأكمل «إن هذه التهديدات بأنواعها تستدعي العمل الجاد من قِبَل دول مجلس التعاون الخليجي للتحول من صيغة التعاون الحالية إلى صيغة اتحادية مقبولة لدى الدول الست تكفل لها الأمن والاستقرار ومتانة الاقتصاد»، ودعا إلى النظر لما تحظى به منطقة الخليج العربي من أهمية بالغة نظراً لموقعها الاستراتيجي المهم، ولما تملكه من احتياطيات ضخمة من النفط والغازاللذين يشكلان أهم مصادر الطاقة في العالم، ولفت إلى تزايد التحديات والمخاطر التي تواجهها منطقة الخليج العربي، مشيرا إلى أن تجارب الأزمات والتحديات السابقة برهنت للجميع على حقيقة صعوبة التعامل الفردي من قبل دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية مع تلك الأزمات. التعاون قد لا يكفي وأردف قائلاً «إن التعاون والتنسيق بين دول المجلس بصيغته الحالية قد لا يكفي لمواجهة التحديات القائمة والقادمة، مما يستوجب تطوير العمل الخليجي المشترك لصيغة اتحادية مقبولة باعتباره السبيل الوحيد لمواجهة الأزمات بصورة فعالة ومؤثرة، كما أنه الوسيلة الأنجع لتحقيق أهداف دول المجلس في التنمية المستدامة والرفاه والاستقرار لشعوبها، والضمانة الأفضل لعدم تكرار مثل هذه الأزمات في المستقبل فالعالم اليوم أصبح، وبصورة واضحة لا تقبل التجاهل، قرية كونية مترابطة، يتأثر كل جزء منها بما يحصل في الأجزاء الأخرى».واستطرد «في خضم ما يحيط بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من تطورات وتحولات وأخطار تهدد استقرارها وأمنها ومكتسباتها، أدركت المملكة العربية السعودية أهمية التحول من صيغة التعاون إلى الاتحاد، وهي مبادرة الاتحاد التي دعا إليها خادم الحرمين الشريفين في كلمته الافتتاحية أمام قمة مجلس التعاون الخليجي الثانية والثلاثين بالرياض، والتي قال فيها مخاطباً قادة دول المجلس (أطلب منكم اليوم أن نتجاوز مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد في كيان واحد يحقق الخير ويدفع الشر) مضيفاً (لقد علمنا التاريخ، وعلمتنا التجارب ألا نقف ونقول اكتفينا، ومن يفعل ذلك سيجد نفسه في آخر القافلة وسيواجه الضياع، وهذا أمر لا نقبله جميعاً لأوطاننا واستقرارنا) واكتسبت تلك الدعوة أهمية بالغة ليس فقط لكونها صدرت من قيادة لها ثقل ووزن ومكانة خادم الحرمين الشريفين، بل ولما صاحب هذه الدعوة المخلصة من تجاوب وتفاعل من قِبَل قادة دول الخليج العربية لهذه المبادرة التاريخية وما تحمله في ثناياها من الرغبة صادقة لنقل العمل الخليجي المشترك إلى سياق آخر أكثر تماسكا وتأثيرا». وبيَّن أن هذا التجاوب انعكس في تبني البيان الختامي للقمة الخليجية الثانية والثلاثين تلك المبادرة بشكل رسمي بل إنه انعكس أيضا في درجة الاهتمام الخليجي تجاه هذا المقترح والتوجه نحو البدء في إجراءات لتنفيذه، عبر تشكيل هيئة مشتركة لدراسته، والاتفاق على آلية عمل الهيئة المختارة، المناط بها رفع توصيات للمجلس الوزاري الخليجي وعرض النتائج على القمة التشاورية القادمة. الاتحاد يصنع الثِقَل وأبدى وزير الخارجية قناعته بأن مسيرة التكامل والتعاون لدول الخليج العربية تعتبر دون شك تجربة ناجحة على المستويين العربي والإسلامي، وأضاف «بقاء المجلس في حد ذاته، وتحقيقه للعديد من الإنجازات وتصديه للكثير من التحديات من الدلالة على قوة وصلابة الكيان الخليجي، غير أن التحول إلى وضعية الاتحاد من شأنه أن يمنح مسيرة العمل الخليجي زخماً أكبر، ويعطي دول مجلس التعاون الخليجي ثقلاً أكبر ومكانة تتوازى مع ما لديها من مقومات القوة الناعمة والإمكانات المادية والجيواستراتيجية الهامة». وتوقع أن يفضي الاتحاد الخليجي في حالة تحققه إلى مكاسب كبيرة تعود بالنفع على شعوب الخليج، ففي مجال السياسة الخارجية ومع وجود هيئة عليا خليجية تنسق قرارات السياسة الخارجية ستتم عملية إعادة ترتيب جماعي لأولويات هذه الدول، وهو ما يحقق مصالحها الجماعية، وفي حال تفاوض دول الخليج العربية الست بشكل جماعي مع دول أخرى في إطار اتحادي فإن ذلك يعزز القوة التفاوضية لدولنا على نحو لا يمكن أن يوفره التحرك الفردي المجرد من أدوات الضغط الجماعي . وفي مجال الدفاع، فإن التكامل الدفاعي، وبحسب وزير الخارجية، يشكل الضمانة الرئيسة لأمن دول الخليج العربية كبديل عن السياسات الدفاعية المرتكزة على التحالفات الوقتية المبنية على المصالح العابرة إذ تظل تلك التحالفات مرتبطة بهذه المصالح التي بطبيعتها متغيرة، ومن ناحية ثالثة فإنه في ظل مواجهة دول مجلس التعاون الخليجي أخطاراً غير مسبوقة ليس أقلها ظاهرة الإرهاب، فإن التكامل الدفاعي سوف يكون مقدمة للتنسيق الأمني وما يستدعيه من تطوير للمؤسسات الأمنية الخليجية. وتابع وزير الخارجية «في المجال الاقتصادي، فإن اتحادا من النوع الذي ننشده سيجعل من دول الخليج العربية كتلة اقتصادية قوية، بناتج محلي إجمالي بلغ عام 2011 أكثر من 1.4 تريليون دولار، مما يعني أن الاقتصاد الخليجي يمثل أكثر من نصف الاقتصاد العربي ككل»، وأكمل «تمتلك دول مجلس التعاون الخليجي نحو 630 بليون دولار من الاحتياطي النقدي الرسمي، ونحو تريليوني دولار من الاستثمارات الخارجية تشمل موجودات الصناديق السيادية». وأردف «والمعروف أن دول المجلس تمثل سوقا موحدة قوامها 42 مليون نسمة، وسيصبح عدد سكان الاتحاد الخليجي (من دون الأجانب) 27 مليون نسمة، وجميع تلك المقومات ذات مردود لا يستهان به ومزايا سيكون مردودها عاليا، اقتصادياً وسياسياً في حال انتقال مجلس التعاون إلى صيغة اتحادية». الشباب مستقبل الخليج وأوضح الأمير سعود الفيصل أن مختلف الدراسات الاجتماعية أثبتت أن مستقبل أي وطن أو مجتمع، يكون نابعا من طاقات عناصره الشابة، إنهم الركن الأساس الذي ينبغي أن تعتمد عليه المجتمعات في تنميتها وتطورها وحفظ أمنها واستقرارها وسعيها نحو الأفضل، لأن مرحلة الشباب ذات طبيعة نشطة في كل المجالات، وخاصة لدى الجيل الناشئ فنجد لديهم حب المشاركة وإثبات الذات والرغبة في إبراز قدراتهم في العمل الجماعي والوطني. وأكد على ضرورة تشجيع الشباب الخليجي وتحفيزهم وتذليل الصعاب التي تعيق من تطوير مهاراتهم وقدراتهم، وحثهم وتهيئة الفرص لهم للمشاركة في مختلف المجالات التنموية والمساهمة في الشأن العام، وتنمية مجتمعاتهم على كافة المستويات، مشيرا إلى إثبات الشباب الخليجي قدرته ومنافسته لشباب الدول المتقدمة في كثير من المجالات وتأكيده قدرته على تحمل المسؤولية والقيادة والإسهام في التنمية والأمن والاستقرار. وأكمل «لا يخفى على أحد أننا نعيش في عالم جديد يرسم معالمه الشباب في كل أنحاء العالم، لذلك نحن في دول مجلس التعاون الخليجي فخورون كون أكثر من 65 % من إجمالي سكان دولنا تقل أعمارهم عن ثلاثين سنة، وهذا الأمر سيسهل من مهمة التطوير والإنتاج وبناء أوطاننا بما يخدم شعوبنا ومجتمعاتنا في نقله من مرحلة التعاون إلى مرحلة التكامل والاتحاد بإذن الله، حيث أن شبابنا الخليجي أثبت قدرته على الإبداع والمبادرة، وأنه متسلح بالحب والولاء لوطنه وأمته، وخير دليل على ذلك انعقاد مؤتمرنا اليوم الذي يقوده نخبة من الشباب المستنير والقادر على التطوير، الذي يملك فكرا راقيا وأخلاقا ساهم بفعالية في بناء أوطانه. واعتبر أن مشاركة الشباب الخليجي في التنمية والعمل الخليجي المشترك تحمل معها قيمة اجتماعية ووطنية كبيرة، وشدد على أن التنمية لن تكون فاعلة وناجحة دون أن يكون هناك مشاركة مباشرة من الشباب باعتبارهم أحد أهداف التنمية الأساسية، متوقعا أن يؤدي إعداد الشباب لدعم العمل الخليجي المشترك إلى حماية وتعزيز مسيرة التكامل والتعاون نحو الأفضل «بما يفضي لتحقيق حلم شعوب منطقتنا للوصول للاتحاد ليكون صمام أمان واستقرار ومنعة ضد ما يهدد أمنها واستقرارها والنيل من مكتسباتها»، حسب كلمته، مستطرداً «إن شباب دول مجلس التعاون الخليجي هم أمل أوطانهم ومستقبلها، فكلنا على ثقة بأنكم على مستوى المسؤولية، ونتطلع لمساهمتكم في مسيرة التطوير والتنمية والتكامل والاتحاد». شباب الخليج يشكرون الملك عبد الله بدورها، أوضحت آلاء بدر السعيدي، وهي شابة خليجية مشاركة في المؤتمر، أن المؤتمر يعد مبادرة شبابية خالصة من شباب دول مجلس التعاون تهدف إلى تفعيل الدعوة التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله -، لدى افتتاحه قمة مجلس التعاون الثانية والثلاثين في الرياض للتحول من التعاون إلى الاتحاد، مبيِّنة أن مجموعة من الشباب الخليجي جاءت بفكرة هذا المؤتمر، وهو الأول من نوعه. عقب ذلك، أكد شباب دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في كلمة ألقاها نيابة عنهم منصور التركي العنزي حرص خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود على جمع الصف الخليجي ونقل صيغة التعاون في المجلس إلى الاتحاد. الزياني يشيد بالتجمع من جهته، أشاد الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية الدكتور عبداللطيف بن راشد الزياني، في كلمة له أمس، بهذه الفكرة التي تجمع شباب دول مجلس التعاون وتتيح لهم الفرصة للالتقاء والتحاور والمساهمة في شؤون دول المجلس وسياسات حكوماته. وأكد الزياني اهتمام قادة دول المجلس بالشباب الخليجي وبقضاياهم والاستماع إلى آرائهم وهمومهم، مشيراً إلى أن هذا المؤتمر خطوة مميزة علينا جميعاً دعمها وتشجيعها. وقال «لقد تجاوز عمر مجلس التعاون لدول الخليج العربية اليوم الثلاثين عاماً، وسيظل كياناً راسخاً يرعى مصالح مواطنيه، ويعمل على توفير أمنهم وسلامتهم، ويدعم قضايا أمته، ويسهم في كل ما فيه خير الإنسان أينما كان»، معتبرا أن المجلس يتعامل منذ اليوم الأول لإنشائه مع القضايا والمتغيرات المحلية والإقليمية والدولية بكل مسؤولية وحكمة. خمس أولويات للمرحلة وقال الزياني «يأتي في هذه الأولويات والأهداف الإستراتيجية تحصين دول المجلس وحمايتها من كافة التهديدات الداخلية والخارجية، بما في ذلك العدوان الخارجي الأجنبي، والإرهاب والجريمة المنظمة، والأنشطة الإجرامية العابرة للحدود الوطنية» ، مؤكداً أن الأمن الخليجي الذي نكتسب من خلاله القوة لا يأتى للدول التي تعمل بمفردها. وأضاف «كما يأتي في ثاني أولويات المجلس المحافظة على اقتصاد قوي ومتنام لدول المجلس، في مجالات الصناعات والتجارة والتمويل، وقد قطعت سوقنا المشتركة شوطاً طويلاً نحو تحقيق المواطنة الاقتصادية الخليجية، وذلك بأن يلقى المواطن الخليجي المعاملة نفسها في كل دولة من دول المجلس، كما يتم العمل على تنفيذ مشروعات إستراتيجية مشتركة يأتي على رأسها إنشاء خط سكك حديدية عابرة لدول المجلس، وربط وحدات وأنظمة الكهرباء وغيرها من المشروعات التي ستجعل مجلس التعاون أكثر ترابطاً وتكاملاً في كافة المجالات الاقتصادية». وقال «ويأتي ثالثاً تحقيق مستويات عالية من التنمية البشرية، أما رابعاً فهو تمكين دول مجلس التعاون من التعامل مع الأزمات والكوارث بكافة أنواعها والتعافي منها». وتابع «وفي خامس الأولويات يأتي تعزيز المكانة الدولية لمجلس التعاون للقيام بدور بناء وفاعل في حل القضايا الإقليمية .