إسطنبول – مالك داغستاني اللاجئون يطالبون بحق العمل ويؤكدون امتلاكهم مؤهلات جامعية إدارة مخيم ألتانوز تعلّم السوريين اللغة التركية وتزوّد السيدات بأدوات للحياكة غالبية المقيمين في المخيم الحدودي من مدينتي جسر الشغور واللاذقية يستغرق الحصول على إذنٍ من السلطات التركية للدخول الصحفي إلى مخيمات اللاجئين السوريين في تركيا نحو شهرين، وأحياناً يأتي الرد بالرفض، لذا اضطرت «الشرق» للتنسيق مع بعض النشطاء ليحصلوا لنا على إذن زيارة إلى مخيم ألتانوز ويُدخِلُونا بصفتنا أصدقاء. ويبعد مخيم ألتانوز، الذي أقيم في مستودعات سابقة كانت تُستَخدم لتخزين التبغ، حوالى أربعين كيلومتراً عن مدينة أنطاكية، ويعدّ من أقدم المخيمات التي استقبلت اللجوء السوري، ويُعدّ وضع اللاجئين فيه ثابتاً ومعاناتهم أقل، ومعظم قاطنيه من جسر الشغور ومن اللاذقية، وبشكل خاص من حي الرمل الجنوبي ومنطقة الحفة، نظراً لقرب هذه المناطق من الحدود مع تركيا. بدأت جولتنا داخل المخيم بلقاء الطفلة شهد، البالغ عمرها ست سنوات، التي ذكرت أنها وصلت إلى المخيم من قريتها الداما التابعة لمحافظة إدلب منذ خمسة أيام برفقة والديها وأخويها، والتحقت مباشرة في مدرسة المخيم، لكنها ترى أن مدرستها في سورية أجمل، وتقول إن كل أقربائها صاروا في تركيا وتحلم أن تعود قريباً إلى قريتها وبيتها ومدرستها. فيما تحكي فاطمة، وهي سيدة متزوجة ولديها ستة أطفال، «خرجنا من سورية من مدينة جسر الشغور منذ 11 شهراً عندما عرفنا أن الجيش سيهاجم مدينتنا، وسمعنا أنهم يقومون بالاعتداء على النساء والأطفال ويعتقلون الرجال، مما أشعرنا بالخوف وجعلنا نترك بيوتنا». وبسؤالها عن الأوضاع المعيشية في المخيم، لم تُبدِ فاطمة تذمراً، ورأت أن الحكومة التركية قامت بما تستطيع، فهي تسكن مع زوجها وأطفالها في خيمتين وتحصل الأسرة على وجبات الطعام بصورة منتظمة. وتضيف فاطمة «إن الحياة هنا تبقى حياة مخيمات، عانينا الكثير من البرد في الشتاء، نحن لم نعتَد على مثل هذه الحياة ولا نريد أن نعتاد، وجميعنا هنا بانتظار انتصار الثورة لنعود إلى بيوتنا»، وعندما سألناها عن توقعاتها لموعد العودة لم تملك سوى الدعاء لله بأن يكون قريباً. من جانبها، تقول مريم، وهي سيدة من جسر الشغور غادرت سورية منذ عشرة شهور برفقة زوجها وأولادها، إن بقية أهلها اضطروا للبقاء لأنهم هددوا والدها وهو موظف حكومي بأولاده لو غادر إلى تركيا، فاضطر لمعايشة المخاطر والاعتداءات خوفاً على إخوتها. وعن المخيم، أوضحت مريم أن وضعه جيد، وتابعت «هم يعاملوننا كضيوف وليس كلاجئين، وأبناؤنا يدرسون في مدرسة المخيم ويحصلون على يومين دراسيين باللغة العربية، وباقي الأيام يتعلمون اللغة التركية، وأيضاً يعلمون اللغة التركية للكبار، فأنا أذهب للمدرسة ثلاث ساعات كل يوم وتعلمت التركية وأصبحت أتحدث بها قليلاً، كما جلبت السلطات التركية آلات خياطة وتطريز للمخيم، وهي تدرب السيدات على هذه الأعمال». وأضافت مريم «كنا نتمنى لو عاملونا على أننا لاجئين وليس ضيوفاً»، بدا حديثها لافتاً لنا فاستطردت «اللاجئون لهم وضع قانوني دولي، لو كنا لاجئين كان سيُسمَح لنا بالانتقال إلى مكان آخر والعيش والعمل بشكل قانوني في دول أخرى، لكن الضيف يبقى ضيفاً ولا يملك أن تكون له مطالب». وأكملت مريم ودمعة مكابرة تلتمع في عينيها «نحن لا نمتلك نقوداً، ورغم أن الأساسيات متوفرة لكن أحياناً هناك للأطفال مطالب رغم بساطتها لا نستطيع تأمينها، كانت معنا نقود حين وصلنا لكنها نفدت، كنا نتمنى لو أنهم سمحوا للرجال بالعمل لدينا هنا موظفين ومهندسين ومدرسين وخريجي جامعات، إننا منذ سنة نأكل نفس الطعام على مدار الأسبوع، أنا أستطيع أن أذكر ذلك أمامك لكني لا أستطيع أن أطلبه من السلطات التركية، فمن المعيب على الضيف أن يكون متطلباً ومن المعيب أكثر أن يتأفف». هنا تدخلت سيدة أخرى كانت تقف قرب مريم لم ترضَ ذكر اسمها قائلة بعصبية واضحة «نحن نريد من دول العالم أن تضغط على النظام السوري كي نعود إلى بيوتنا، إنهم يعطونه المهلة تلو الأخرى وهو يتمادى في إجرامه ويقصف بشكل أعمى، حتى وصل لإطلاق النار علينا هنا في المخيمات على الأراضي التركية، والعالم يتفرج على دمنا ومأساتنا، ونحن لا نسمع سوى عن الإدانات والضغوطات وكل هذا مجرد كلام». سألنا مريم «هل أصيب أحد من أقربائك في الاعتداء على مخيم كيليس»، فأجابت «لا، ولكن كل الموجودين هنا هم أهلي وأهل بلدي»، مريم أيضاً تحلم بالعودة إلى بيتها لكنها لن تعود كما قالت، إلا بعد سقوط نظام الأسد. أما الطفلة ريم فتحدثت معنا قائلة «أنا في الصف الخامس وهنا تعلمت اللغة التركية»، ودون أن نطلب منها تبرعت ريم أن تعد لنا حتى العشرة باللغة التركية وعلقت أمها متباهية «إنها تستطيع أن تكمل للمائة»، وأضافت ريم «لكن هنا لا يعلموننا بعض المواد كالعلوم والتاريخ، وكانت لدينا معلمة ديانة لكنها تركت منذ فترة وهي كانت لطيفة جداً»، وعندما سألناها «أيهما أجمل تركيا أم سورية»؟ أجابت بعفوية بالغة ودون تردد «جسر الشغور أجمل من تركيا وسورية، هناك بيتنا وألعابي وصديقاتي». وعقبت الأم «المشكلة أنهم يدرسون الأطفال المواد الدراسية كالرياضيات باللغة التركية قبل أن يتقنوها جيداً، ثم هناك الشباب الأكبر سناً وهم طلاب المرحلة الثانوية والجامعية الذين بقوا دون متابعة دراستهم، وهذا أمر سيئ وبحاجة لمعالجة سريعة». اللاجئون يلومون المعارضة من جهتها، حاولت لميس، وهي سيدة أربعينية من جسر الشغور أيضاً أن توضح لنا رأيها السياسي قائلة «على المعارضة أن تعمل ضد النظام ولا تنشغل بخلافاتها، لأن مصير السوريين واحد، ولذلك عليهم أن يتفقوا، ونحن وإن كنا نرى أن المجلس الوطني يمثلنا إلا أنه لم يستطِع حتى الآن أن يقدم لنا أي شيء كلاجئين هنا، سمعنا أن هناك بعض المساعدات وصلت للمخيم لكننا لم نرَ شيئاً منها، ومع ذلك نحن نسمع أن أوضاعنا هنا أفضل من اللاجئين في الأردن ولبنان». وعندما سألناها ماذا تطلب من المجلس الوطني، استغربت سؤالنا وأجابت مع ابتسامة «هل سيصل صوتي أنا للمجلس؟ إذا كان صوت السوريين جميعاً لم يصل لأحد بعد، نحن مضى على وجودنا هنا قرابة العام ولم نرَ أحداً من المجلس». وعندما سألناها هل حضرت الهجوم على جسر الشغور، أجابت «لا، نحن خرجنا حين كانت هناك جنازة لشهيد، وبدأت قوات الأمن إطلاق النار على المشيعين، فخفنا وغادرنا لأننا كنا قد سمعنا عن اعتداءات على النساء أمام أطفالهنّ». ورغم أن أحوال اللاجئين هنا في تركيا لا تبدو مثالية، إلا أن تفاؤلاً يسيطر عليهم لقناعتهم بأن الثورة ستنتصر في النهاية على نظام بشار الأسد. متظاهرون داخل المخيمات التركية ضد الأسد (رويترز)