بوينيوغون (تركيا) - رويترز، أ ف ب - في الفناء الصغير بمخيم بوينيوغون التركي للاجئين السوريين ينتظر عشرات الأطفال في صبر دورهم في ركوب الأرجوحة في حين يتابع البالغون في الخيام المخصصة لمشاهدة التلفزيون الأحداث في بلادهم التي فروا منها. تؤوي الخيام وعددها 600 نحو 3500 شخص وهم حوالى الثلث من عشرة آلاف لاجئ تدفقوا من شمال سورية على تركيا بعد اتساع الحملة الأمنية لتشمل العديد من مدن شمال سورية. في كل مكان تجد أطفالاً بما في ذلك الرضع بين أذرع آبائهم. ومع ارتفاع حرارة الشمس يحتمي اللاجئون داخل الخيام أو يجلسون تحت بطاطين معلقة بينها. وسمح للصحافيين والمصورين بدخول أحد المخيمات السورية في تركيا للمرة الأولى منذ بدء نزوح السوريين قبل أسبوعين. وأغلب اللاجئين من بلدة جسر الشغور حيث قالت السلطات السورية إن 120 من أفراد الأمن قتلوا على يد «جماعات مسلحة إجرامية تروع المدنيين»، لكن شهوداً وسكاناً قالوا إن الجنود قتلوا على يد قوات أمنية موالية للنظام بعد رفضهم إطلاق النار على المدنيين. وقال لاجئ مسن، اكتفى بتعريف نفسه باسم آدم، بينما كان يتحدث بعجلة وانفعال لوكالة «رويترز»: «التظاهرات السلمية بدأت في جسر الشغور قبل ثلاثة أشهر. ثم بدأت الاعتقالات والتعذيب. كنا نردد الأناشيد الوطنية ونستخدم الرسوم الكاريكاتورية... ثم بدأت قوات الأمن اعتقال الناس... وأنا أحدهم». وقال آدم إن القوات ضربته على ظهره ورأسه بأعقاب أسلحتها وعصبت عينيه وقيدته ثم ضربته وآخرين بكابلات كهربائية. وأضاف: «مرروا الكهرباء بين أصابع قدمي. وتعرضت للتعذيب أيضاً. طلبوا أسماء الناس الذين شاركوا في التظاهرات». وقالت امرأة عمرها 61 سنة وهي أيضاً من جسر الشغور للصحافيين إن الناس كانوا يحتجون كل جمعة لكن قوات الأمن بدأت في إطلاق النار من الطائرات الهليكوبتر. وأضافت ل «رويترز»: «كنا خائفين جداً لدرجة أننا هربنا الى قرية الحسينية. مكثنا هناك عشرة أيام قبل أن نأتي الى هنا... بعض المسنين لم يتمكنوا من مغادرة البلدة... بقوا في أوضاع مزرية. بعدما غادرنا سمعنا أن الجيش أخذ الناس من القرى الى المنازل والمتاجر المخلاة ثم أحضر الكاميرات وأبلغ العالم أجمع أنه لا توجد مشكلة». وقال الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان ومركز دمشق لدراسات حقوق الإنسان ومقره الولاياتالمتحدة في بيان نقلاً عن مصادر محلية أن القوات السورية قتلت أكثر من 130 شخصاً واعتقلت أكثر من ألفين في جسر الشغور على مدى الأيام القليلة الماضية. وفي بوينيوغون جلس الرجال يدخنون في مجموعات والنساء يغسلن الملابس القليلة التي أحضرنها. وبدأ الأطفال يرددون هتافات ضد النظام ويشيرون بعلامات النصر. وارتفع صوت قنوات الأخبار العربية من الخيام المخصصة للتلفزيون. وقال مسؤول من الهلال الأحمر التركي لوكالة «رويترز»: «الآن الناس راضون بوضعهم لأن الأمور خطيرة جداً في بلادهم وهم لا يريدون العودة. بعضهم يعاني من كرب ما بعد الصدمة لذلك نقدم لهم دعماً نفسياً». وأضاف إن ثلاثة رضع ولدوا في مخيم بوينيوغون منذ افتتح في العاشر من حزيران (يونيو). وتابع: «نريد أن نبني ملاعب أخرى للأطفال لكن لم يتبق لدينا أي مساحة. لا نتوقع قدوم أشخاص كثيرين». ومع مشاعر القلق على المستقبل والخوف على الأبناء، هناك أيضاً مشاعر الغضب حيال النظام. وذكر مراسل «فرانس برس» خلال زيارته أن لاجئين كانوا يهتفون «الشعب يريد إسقاط النظام» و «كذابون، كذابون» في إشارة الى وسائل الإعلام السورية. وكرر آخرون باللغة الانكليزية شعار «شكراً شكراً أردوغان». وأشار رجل الى ساق مضمدة لامرأة عجوز قائلاً: «لقد أطلقوا النار على ساقها وضربوها على رأسها وظهرها». وداخل إحدى الخيم، جلس زوجان مع طفلهما ابن الأشهر الخمسة، موضحين أنهما وصلا الى تركيا بعدما أمضيا أربع ليال تحت مطر غزير في الجانب الآخر من الحدود. وقال رجل خمسيني: «أحمل شهادة جامعية، لكنني أجمع القمامة منذ ثلاثة أعوام في سورية». ورافق مسؤولون أتراك اللاجئين الى نقطة عند مدخل المخيم ليتحدث هؤلاء الى الصحافيين، لكنهم سرعان ما تدخلوا حين بدأ الصحافيون بطرح الأسئلة. وقالت مسنة محجبة مستعينة بمترجمة فورية «نتلقى الحماية هنا». وأورد رجل عشريني: «يعاملوننا في شكل جيد. نحن خلف الحواجز لأن الدولة السورية قد تكون أرسلت أناساً للحصول على معلومات». وكان معارض سوري يقيم في تركيا أكد ل «فرانس برس» أن لاجئين في مخيم يايلاداغي المجاور ينفذون إضراباً عن الطعام احتجاجاً على العزلة التي فرضتها السلطات التركية عليهم. وقال المعارض إن «اللاجئين بدأوا إضراباً عن الطعام بعد صلاة الجمعة». وأفادت آخر حصيلة لأعداد اللاجئين أن أكثر من عشرة آلاف لاجئ سوري يتوزعون حالياً في مخيمات مختلفة في جنوب تركيا. وذكرت وكالة الأناضول التركية الحكومية للأنباء أن السلطات التركية استعدت لاستقبال المزيد من اللاجئين في الوقت الذي وصل عدد السوريين الذين فروا الى تركيا الى 10114 شخصاً. واستيقظ اللاجئون السوريون في هاتاي ليقضوا يوماً آخر بعيداً عن منازلهم. والتمس البعض المساعدة الطبية في مستشفى ميداني أقيم بمخيم يايلاداجي بينما تدفق الأطفال على ملعب.