كان التاريخ يغط في سبات عميق لعدة قرون، ثم استيقظ فجأة على وقع أقدام القرن الثامن عشر الميلادي، وكان للجزيرة البريطانية النصيب الأوفر من إرهاصات هذه اليقظة المُفاجئة. شهد ذلك القرن من التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ما لم يشهده قرن آخر في التاريخ. على الصعيد السياسي انبثقت الثورة الفرنسية، والثورة الأمريكية، اللتان غيرتا المنهج السياسي إلى الأبد. وعلى الصعيد الاقتصادي وُلد فيه ومات الفيلسوف البريطاني آدم سميث مؤسس علم الاقتصاد الحديث. وفيه وُلد العالم البريطاني مالثيوس، صاحب النظرية الرهيبة، المعروفة ب (مصيدة مالتيوس)، التي ترى أن البشر يتكاثرون بسرعة تفوق زيادة الموارد الغذائية، وأنهم يمرون بدورات حتمية متكررة من الرخاء والتكاثر، ثم المجاعة والأمراض والموت الذي يحصد الفائض من الأفواه ويعيد التوازن للطبيعة. ليس ثمة شاهد على صحة هذه النظرية أصدق من المقابر التي تُحيط بقُرى وسط الجزيرة العربية، حيث لا تتجاوز دورة الرخاء والفناء العشر سنوات. ألهمت مصيدة مالتيوس العالم البريطاني (داروين) في تطوير نظرية النشوء والارتقاء، التي ترى أن الكائنات الحية تمر بعملية مستمرة من الانتخاب الطبيعي، الذي يُفني السلالات الضعيفة ويُبقي الأقوياء، وأن الجينات تتحور باستمرار نحو البقاء والارتقاء. وهذه النظرية استند عليها هتلر في مشروعه (النازي) القائم على إبادة الأعراق الرديئة بزعمه، وعلى رأسهم اليهود والعرب. واختتم القرن الثامن عشر مُفاجآته بانبثاق الثورة الصناعية من بريطانيا، وهي الثورة التي غيرت حياة الإنسان، وأتاحت زيادة الإنتاج الغذائي بصورة تفوق زيادة عدد السكان أضعافاً مضاعفة، مُحطمة مصيدة مالتيوس للمرة الأولى منذ خلق الله البشر. ولكن لماذا بريطانيا؟ وما علاقة هذه الثورة بمصيدة مالثيوس؟. الجواب سيكون في مقال قادم إن شاء الله.