غزة – يوسف أبو وطفة مشروعات تحلية مياه البحر في قطاع غزة غير مجدية، والبديل الوحيد استيراده من إسرائيل أو مصر كشف الخبير المائي ورئيس سلطة المياه السابق في السلطة الفلسطينية د. فضل كعوش عن وجود خطر حقيقي يتهدد قطاع غزة بالجفاف وقيام أعداد كبيرة من السكان للهجرة الجماعية نتيجة شح المياه، داعياً حكومة حماس بغزة والسلطة الفلسطينية إلى ضرورة التحرك وبشكل فوري لإنقاذ قطاع غزة من الكارثة قبل وقوعها. واعتبر كعوش في حوار مع «الشرق» أن إيجاد بدائل لعملية الاستنزاف الحاد والمستمر للمياه الجوفية في قطاع غزة يجب أن يتم بأقصى سرعة مشيرا إلى أن الحصول على المياه من إسرائيل أو من مصر هي الخيارات الوحيدة الممكنة، وأن الخيار الأول هو الأرخص في التكلفة على الرغم من خطورته السياسية. * هناك أسباب كثيرة لأي مشكلة ما هي الأسباب الحقيقة لأزمة المياه في قطاع غزة؟ - الأسباب الحقيقية للوضع المائي الخطير في قطاع غزة ليست جراء عمليات الضخ الزائد الحاصلة وإنما عدد السكان الكبير جدا الذي فُرِضَ على القطاع بشكل قاهر ومجحف نتيجة لعمليات التهجير القسري الذي مارسته العصابات الصهيونية عام 1948 عندما قامت بارتكاب المجازر بحق الفلسطينيين وتدمير منازلهم لحملهم على الهروب والرحيل عن أراضيهم، ونتيجة ذلك لجأ إلى قطاع غزة عدد كبير جدا من الفلسطينيين من مناطق يافا والرملة وعسقلان وغيرها وأصبحوا يشكلون حاليا أكثر من ثلثي السكان أي ما يقارب 1.1 مليون نسمة وبنسبة نمو حوالي 3.5 % ، لذلك فإن الضغط الزائد والقاهر على مصادر المياه، تجاوز الطاقة المائية المحدودة والمتاحة بثلاثة إلى أربعة أضعاف، ويعود سببه الرئيس للكثافة السكانية العالية التي فرضتها عمليات اللجوء الإجباري والقسري والذي تتحمل أسبابه إسرائيل وحدها، وليس عمليات الضخ الزائد وهي كما أشرنا عمليات قاهرة وضاغطة، فرضت نفسها على سكان القطاع الذين لم يعد أمامهم أي خيار آخر سوى اللجوء إلى المياه الجوفية المحدودة جدًا، بسبب انعدام بدائل المياه الأخرى. كما أن الإهمال الكبير والمتعمد من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة منذ عام 1967 ومخالفتها لمعاهدة جنيف الرابعة بشأن مسؤولية قوات الاحتلال تجاه الفلسطينيين وخاصة ما يتعلق بخدمات المرافق العامة والأساسية وعلى رأسها المياه والمجاري، هذا الإهمال المتعمد أدى إلى تفاقم وتردي الأوضاع في هذين المرفقين بشكل كبير جدا وتعريض حياة الفلسطينيين لمآسي العطش وللمخاطر البيئية والصحية الناتجة عن ذلك. ومسؤولية الكارثة المائية التي تتهدد القطاع بالدمار الشامل لنظام الأحواض المائية الجوفية تقع على عاتق إسرائيل ولهذا فإن على الإسرائيليين أن يقوموا بتزويد القطاع بكميات كافية من موارد المياه العذبة لأغراض الشرب والمنزل والصناعة، بحكم مسؤوليتهم عن التهجير القسري للفلسطينيين وأيضا بحكم سيطرة إسرائيل على كافة مصادر المياه المشتركة والتحكم بها ونهبها وخاصة الحوض الساحلي والأحواض الجبلية وحوض نهر الأردن وما يرتبط بهذه المصادر من حقوق ثابتة للفلسطينيين في مصادر مياهها المتجددة. * ما هو حجم الاستهلاك المائي للأفراد في قطاع غزة ؟ وكيف يمكن خفض الاستهلاك المائي؟ - يتجاوز حجم الاستهلاك الحالي للمياه حوالي 160 مليون متر مكعب لكن غالبية هذه المياه مالحة والجزء الأكبر منها يستخدم للزراعة والصناعة، وتقدر احتياجات الفرد الواحد من المياه للأغراض المنزلية والشرب في الحد الأدنى 120 لترا في اليوم، أي أن قطاع الشرب والمنزل بحاجة إلى حوالي سبعين مليون متر مكعب يضاف إليها حوالي عشرة ملايين متر مكعب للصناعة، من هذه الكميات غير متوفر سوى جزء محدودة جدا قد لا يتجاوز عشرة ملايين متر مكعب، وبالتالي يكون القطاع بحاجة ملحة اليوم قبل الغد إلى حوالي ستين مليون متر مكعب لتغطية احتياجات الشرب والمنزل والصناعة. ويعتبر القطاع الزراعي أكثر القطاعات استهلاكاً فيجب أن يخفض استهلاكه إلى أقل من ثمانين مليون متر مكعب وأن يتم مستقبلا استخدام مياه المجاري المعالجة لأغراض الري بمعدل قد يصل إلى 35 مليون متر مكعب والكميات المتبقية واللازمة للزراعة وهي حوالي 45 مليون متر مكعب يمكن الحصول عليها من المياه الجوفية لكن وفق خطة جديدة تضمن وقف استنزاف الأحواض. * تطرقت في حديثك عن وجود بدائل فهل من الممكن استيراد المياه من مصر؟ - بالتأكيد يمكن، وهو إحدى الخيارات التي يجب على الخبراء والمختصين دراستها، ضمن سيناريوهات مختلفة لعمليات نقل المياه برا أو بحرا من حيث التكلفة بالدرجة الأولى، وسبق أن طرحت في السابق عدة أفكار بهذا الشأن، منها استيراد المياه من تركيا أو اليونان عبر البحر باستخدام ناقلات عملاقة، ولكن بالنسبة لمصر فقد كان الحديث يدور حول إمكانية نقل جزء من مياه النيل عبر العريش إلى قطاع غزة بمعدل مائة مليون متر مكعب في السنة وهذه الكميات تغطي جزءا كبيرا من احتياجات القطاع للمياه وتساعد في تخفيف الضغط بشكل كبير على الأحواض الجوفية. ولكن هذا الأمر ليس من السهل تحقيقه الآن في ظل الظروف السياسية والأمنية المعقدة وفي ظل أوضاع اقتصادية متردية جدا، حيث يتطلب الأمر بنية تحتية ضخمة ومكلفة جدا لعمليات التعبئة عند المصدر وعمليات النقل في ظل الحصار الإسرائيلي المستمر وكذلك بالنسبة لعمليات التفريغ والتخزين والتوزيع للمياه المستوردة، وأيضا موافقة إسرائيلية مسبقة ورقابة وما شابه ذلك، أما برًا فالأمر يحتاج إلى تكاليف باهظة قد تتجاوز 350 مليون دولار ويحتاج النظام الناقل إدارة لتشغيله وصيانة دورية دائمة وهو أيضا أمر مكلف وثقيل على قطاع غزة، نظرا لبعد المسافة من مناطق الترعة المصرية إلى القطاع. * في حال تعذر استيراد المياه من مصر هل هناك خيارات أخرى كالجانب الإسرائيلي مثلاً؟ - الخيار الإسرائيلي هو أفضل الخيارات في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية الصعبة، فهذا الخيار قابل للتنفيذ بأقل فترة زمنية بكثير من غيره وبأقل التكاليف، حيث لا تتجاوز تكلفة نقل المياه من إسرائيل إلى القطاع من خلال خطوط رئيسة ناقلة ثلاثة إلى 3.5 شيكل للمتر المكعب الواحد (من 80 إلى 90 سنت تقريبا )، بينما خيارات نقل المياه عبر البر أو البحر من مصر أو غيرها سوف لن تقل عن 4.5 إلى 6.5 شيكل للمتر المكعب الواحد بأقل تقدير، كما أن خيارات التحلية لمياه البحر ستكون مكلفة جدا ومعقدة جدا ولدى الإخوة المشرفين على محطات التحلية الصغيرة تجربة مريرة جدا. * هل هناك ضمان حقيقي لاستيراد المياه من إسرائيل وعدم تحكمها مستقبلا في دخول المياه إلى قطاع غزة؟ - نحن لا نطالب الإسرائيليين بمكرمة ولا بمنة، نحن نطالب بحقوقنا المشروعة، والكميات التي أشرت إليها وهي بمعدل سبعين مليون متر مكعب هي جزء من تلك الحقوق، وهي ضمن مسؤوليات ثابتة على الجانب الإسرائيلي. والمفاوضات حول قضايا المياه قد تطول وتمتد إلى سنوات وسنوات وقد لا نصل إلى حلول عاجلة حولها والوضع المائي الحرج جدا في قطاع غزة لم يعد يحتمل الانتظار ولا ليوم واحد، فلذلك على المسؤولين الفلسطينيين المعنيين أن يبادروا لممارسة الضغط الدولي على الإسرائيليين، وحسب اعتقادي فإن الموقف الفلسطيني قوي جدا بهذا الشأن حيث القضية تتعلق بحياة شعب بأكمله يتعرض لمخاطر التلوث والملوحة العالية والنقص الحاد في مياه الشرب، وأيضا حسب اعتقادي الشخصي واطلاعي ومعرفتي بخلفية الموقف الإسرائيلي تجاه هذا الأمر فإنهم لن يستطيعوا الرفض وقد يساهموا ويتدخلوا ويقوموا بتزويد القطاع بالكميات المطلوبة بحوالي عشرين إلى ثلاثين مليون متر مكعب من محطة التحلية الموجودة بالقرب من القطاع على شاطئ عسقلان وبحوالي عشرة ملايين متر مكعب عبر الخط القديم الذي كان يغذي مستعمراتهم السابقة وحوالي أربعين مليون متر مكعب مباشرة من الخط الناقل القطري الذي يمر من مناطق قريبة من القطاع، يحتاج هذا الأمر إلى تخطيط ودراسات عاجلة وباعتقادي أن مسألة تنفيذ كل هذه المشروعات قد لا تستغرق أكثر من سنتين على الأكثر. ولكن يمكن الشروع وعلى الفور والبدء بالضخ خلال شهر على الأكثر من خط نحال عوز المنفذ وبكميات تصل إلى خمسة ملايين متر مكعب باتجاه خزان المنطار شرق مدينة غزة، كما يمكن إعادة تشغيل الخط القديم الذي كان يزود المستعمرات الإسرائيلية سابقا خلال ثلاثة أشهر وبكميات تصل إلى عشرة ملايين متر مكعب في السنة. * إذا لم يتم إدخال المياه ما هو أثر هذه الأزمة على سكان القطاع وهل يمكن أن تصل الأمور للهجرة الجماعية؟ - أبعاد الأزمة في تزايد خطير، نقص شديد في مصادر مياه الشرب، مخاطر بيئية وصحية متزايدة نتيجة للتلوث بأشكاله، ملوحة عالية، مواد عضوية وغير عضوية سامة، لا بد من المعالجة، فالوضع غير مقبول ولا يحتمل، والمسألة أصبحت في الحقيقة مسألة وقت ليس إلا وكما ذكرت أن يكون القطاع أو لا يكون، فإذا وصلت الأمور إلى فقدان كامل لمصادر المياه الصالحة للاستخدام فإن لهذا الأمر مخاطر كبيرة قد تصل إلى اضطرار أهالي القطاع للهجرة وترك أرضهم العطشى للبحث عن مكان جديد يجدون فيه الماء. * هل تتوقع أن يصل الأمر إلى تهريب المياه من مصر كما يحصل الآن في البنزين والبترول؟ - الماء هو الحياة، ويمكن الاستغناء عن البنزين والسير على الأقدام والعيش حتى في كهف ولكن بدون مياه يستحيل البقاء، لذلك فإنني لا أستبعد أي شيء، مثل بيع المياه بالسوق السوداء من أي مصدر كان وهذا الأمر موجود وحاصل في العديد من قرى الضفة الغربية الذين يضطرون خلال فصل الصيف لشراء المياه من الباعة أصحاب الصهاريج المتنقلة وبأسعار لا تقل عن عشرين شيكل للمتر المكعب الواحد وانتظار طويل حتى يصل دور المواطن، نظرا للطلب الكبير على باعة المياه بالسوق السوداء، لا أستبعد حصول هذا الأمر في قطاع غزة وأن ينشط باعة المياه المستوردة بالصهاريج من الجانب المصري أو من خلال أنابيب عبر الأنفاق، وكل شيء وارد ما دام الأمر سيتعلق بالحاجة الماسة للمياه. الزراعة في غزة مهددة بنقص المياه (إ ب أ)