في شرق مدينة نجران وباتجاه محافظة شرورة، في الصحراء المُوحشة التي يضطر للمسير فيها موظفو القطاع العسكري وبعض البدو القلة الذي انعزلوا عن الحياة الإسمنتية واختاروا الطبيعة الأم مع إبلهم، في تلك المنطقة نمت أسطورة مُرعبة من جهة، ومُحزنة من جهة أخرى. هذه الأسطورة هي «حمدة» وهي كما يُسميها أهل نجران «غُولِي» أي من الغُول، وهي الشبح الليلي الذي يتراءى للساري والمسافر في الظلام، ليخيفه. و»حمدة» مُرعبة لأنها اشتهرت بتضييع المسافر، حيث تبدو له من بعيد كشعلة نار، أو كشّاف إضاءة، فيعتقد أنها سمر عابر، أو أن أحدهم يحتاج للمساعدة، فيلاحقه.. وكلما اقترب منه ابتعد في الظلمة دون أن يشعر، حتى يضيع في متاهات الصحراء المُبهمة. ومُحزنة «حمدة» لأن من عرفوها ولم يعيروها بالاً؛ تقضي ليلها بالصراخ المُؤلم. رغم اسمها الجميل، وجمال نورها في الظلام الدامس العريض كنجمة سقطت في الصحراء، فإنها مجرد «غُولِي»، أو مجرد شبح، أو ربما وهم، لكنها تشبه لحد غريب ودقيق أحلامنا التي نطاردها، فضيّعت منا الوقت الكثير الذي لربما فعلنا فيه الكثير، أو ربما أخذنا رحلة طويلة خلفها وهي «نافلة» فاشتغلنا بها عن «الفروض» والأحلام الحقيقية التي تصنع الإنسان والوطن في آنِ معاً، وسيكون الموقف جارحاً وقاهراً أن نجد نهاية المطاردة هو ضياع وغربة عن العالم والعلم والحقيقة والنور والأخلاق. يقول الشاعر الحلم، محمد الثبيتي (رحمه الله) الذي يحاول الكثيرون حالياً أن يتقمصوا دور صديق ماضٍ مع غربته وأحلامه الضائعة، يقول: مضى شراعي بما لا تشتهي ريحي/ وفاتني الفجر إذ طالت تراويحي! تُرى، يا وطن، متى نصبح فجرا منبلجا، حيث لا يظهر لنا «غُولِي» الأحلام في مخالب الظلام والوحشة؟!