رحل مصباح الكون مغربا يبث شكاته وينفث زفراته تزفه تراتيل آخر ساعة في رمضان. فيصب رحيق قبلاته في وداعها، فيجر خلفه شفق الغروب الخاشع المرهوب، فتتجلى فيه معاني الوداع الصامت برهبة الليل المقبل على إيقاعات بلمسات عتاب، فأغمض الكون عينيه على هذه الصورة الحلوة الفاتنة، فأخذها معه في أحلامه. وأخذ الليل يسترخي على ألحان الوداع ليكسو الأرض هيبة وجلالا، فبدت نجومه تتراقص كشعلة قنديل يرتعش فيه الضوء ارتعاش الحب في أطهر قلب، والليل مستغرقا في سباته حالما في سكراته ساكنا تتردد بين جوانحه أنفاس السحر. فظهر القمر نحيلا سابحا في بحار الظلمة ليلقي ابتسامة مضيئة خجولة تذوب رقة على الأرض. فانسابت يقطر منها النور، فاستمطرت التهاني دموعا من عيون المهنئين، فأشرقت الوجوه، وانطلقت قذائف الأفراح من أفواه مدافع العيد فرحة بعودته، لتتفجر في الفضاء صواريخ مضيئات تتساقط منها الأنوار أمطارا، فتعلقت بها الأنظار، فأسكرت الكون سكر الحب الطاهر، واشتعلت الأحياء نورا وابتسمت سرورا، فاستيقظت المآذن ترفرف بخشوعها، فضحكت للدنيا بنور مصابيحها المتلألئة تزف بشائر العيد السعيد، فألقت في أذن الزمان أعذب الألحان: الله أكبر.. الله أكبر.. ولله الحمد. مخلد سفر العتيبي