انطلقت (فجراً) الأسبوع الماضي أولى رحلات المؤسسة العامة للخطوط الحديدية على واحدة من ثمانية أطقم للقطارات الإسبانية الجديدة التي تكلفت (612 مليون ريال)، والمغادرة من محطة الدمام إلى الرياض لتختصر المسافة بسرعة (180 كيلومتراً) في الساعة! للوهلة الأولى يُشعرك الخبر الذي انتشر في الصحف بأن مكوكاً فضائياً انطلق للتوِّ من قاعدة كيب كينيفرال الفضائية ولا أدري لماذا فجراً، ولكن احتمال كي لا تلتقطه وكالات الأنباء العالمية وبعيداً عن أعين الحسد بعد انتظار دام أكثر من عشرين سنة لتطوير نظام القطارات، وأعلنت مسبقاً المؤسسة العامة للخطوط الحديدية بأنها قد وضعت رؤية مستقبلية واضحة ومتكاملة لما يجب أن تكون عليه شبكة الخطوط الحديدية في الفترة المقبلة، ولكن ذلك القطار الإسباني كان (دون الطموح) وكأنه صُنع لدولة فقيرة، ومثلت سرعته التي توازي سرعة السلحفاة بين القطارات السريعة صدمة وخيبة أمل، والإعلان عنه في هذا الوقت الذي ينتظر فيه الناس حلاً لمشكلة التنقل أمر محبط للغاية، وكأنه قطار فحم من العصر الماضي ضل طريقه في عصر السرعة، والسؤال: هل يجهل المسؤول مهارة التخطيط الفعال أو غاب عنه الاطلاع على ما توصلت إليه الدول المتقدمة من إنجازات في تنمية بلدانهم والاستفادة من تلك التجارب، خصوصاً أن لدينا المال الذي لا يستثمر بشكل جيد؟ وهل يعرف المسؤول أن اليابان والصين وصلت السرعة عندهم 600 كم/ الساعة؟ والقطار الجديد يعجز عن تجاوز سُرعة (الكورولا)! ألا يعلم أكبر مسؤول في المؤسسة أن سرعة القطار الذي يصل بين مدينة بيرن وباريس ويقطع مسافة 800 كلم تصل سرعته إلى 550 كلم/ س ويقطعها في ساعتين ونص ويتوقف في ثلاث محطات لمدة عشر دقائق فقط؟! في هذا الزمن أصغر أبنائنا يعرف كيف يتوصل لأي معلومة عن القطارات السريعة حول العالم، ويعرف أيضاً أن اليابان هي الأفضل في سوق القطارات العالمية، ويدرك معنى (السريعة) التي تختصر الوقت، ويعرف بوجود قطار الطلقة هايابيوسا أو “البلت” (Bullet train) وهو أحدث جيل من سلسلة قطارات الرصاصة بسرعة تصل ل300 كيلومتر في الساعة، ذات الشكل الجديد وبمقدمته الطويلة وألوانه الجذابة، قد تبدو السرعة كبيرة لكن الواقع أن الصين حطمت هذا الرقم حين بلغت سرعة القطار من بكين إلى شنجهاي 486 كليومتراً في الساعة وهذا الرقم ليس كبيراً أيضاً، لأن فرنسا استطاعت تحطيمه في عام 2007 حين استطاع أحد القطارات الوصول لسرعة 574.8 كليومتر في الساعة، وتواجه اليابان منافسة شديدة في تقنية وتسويق القطارات فائقة السرعة من فرنسا وألمانيا والصين، ولم تدخل إسبانيا في تلك المنافسة أبداً!وطورت اليابان أيضاً قطارها المغناطيسي المعلق فائق السرعة، الذي سجّل في عام 2003 أسرع تجربة في العالم، حيث قطع 581 كيلومتراً في الساعة، ويستخدم قوة مغنطة تسمح للقطار بالارتفاع عن السكة الحديدية مما يقلل من الاحتكاك، ولم تبدأ بيع القطار المغناطيسي في الخارج، لأنها لا تريد المخاطرة بخسارة تميزها التقني في العالم، ومع ذلك تحاول الإدارة الأمريكية عقد صفقات لقطارات فائقة السرعة لتوفير وظائف داخل الولاياتالأمريكية بجلب المصنعين إلى الولايات، والبحث عن المنشآت من أجل بناء ذلك في أمريكا باستخدام عمال أمريكيين، وهذا ما يسمي بالتخطيط المدروس! والهدف المثير الذي يدعو للاحترام بجانب الناحية التكنولوجية هو مدى أهمية الوقت الذي دفع اليابانيين لتطوير قطار بتكلفة كبيرة ليوفر “13 دقيقة” عن الجيل السابق من زمن الرحلة بين طوكيو وآوموري على سبيل المثال، فكم من 13 دقيقة أهدرت من حياتنا ونحن (نُجبر) على انتظار تأخير الرحلات الجوية وسكة الحديد! عندما تسمع أن بلداً يسعى دائماً لتطوير مواصلاته، ويعمل على زيادة راحة مواطنيه تشعر بالحسرة والحزن لعدم وجود نفس الاحترام لراحتك ولوقتك، خاصة ووزارة النقل كانت قد أهملت لسنوات طويلة أهم مشروعات المواصلات وتجاهلت الاحتياج الأول في حياة كل مواطن مما فاقم الكارثة وترك بلدنا يعاني من شلل رباعي في النقل والمواصلات والطرق والتخطيط، وذلك ما جعل المجتمع يشكو من الرهاب المروري بسبب استنزاف الطاقة وتدمير الأعصاب الذي نبدأ به يومنا كل صباح، ناهيك عن الخسائر التي نتكبدها بسبب التأخير وضياع نصف العمر ونحن عالقون في الازدحام! ينبغي أن تحترم المؤسسة مواعيد الركاب، فغالباً ما تنطلق رحلاتها متأخرة لتسجل مثلاً على تدني مستوى الخدمة، ويفتقر بعض موظفي المؤسسة للاحترافية في العمل حيث مازالوا يعتقدون بأنهم يؤدون خدمات شخصية وليس واجباتهم التي يتقاضون عليها أجراً حيث يتميز أداء بعضهم بالخشونة، وينبغي على المؤسسة أيضاً العمل بجدية لتطوير الكوادر البشرية التي من المفترض أن تقدم خدمات ومعاملة راقية للركاب! شبكة القطارات في العالم تعدّ من أقل وسائل التنقل بين المدن من حيث التكاليف، وفي مؤسستنا عكس ذلك على الرغم من تدني المستوى، وأرى أن أسعار التذاكر غير مناسبة ومبالغ فيها لوسيلة نقل عامة بطيئة، ولو كان الأمر بيدي لفرضت على المؤسسة أن تدفع تعويضاً ويعاد على الأقل ثمن التذاكر لكل رحلة تتأخر عن موعدها، وأتمنى أن يعيد المسؤول بكل شجاعة أدبية قطار الفحم الذي خرج عن مساره إلينا، ويستبدله بقطار سريع من عصر الطلقة!