احتفى جمع من مثقفي منطقة الباحة بتوقيع الشاعر عبدالرحمن سابي مجموعته الشعرية الأخيرة «أشواق الصوفي» في مقهى المساء ليل أمس الأول، وتناول القاص جمعان الكرت جانباً من تجربة سابي، ومحاولته الجادة لتجاوز نفسه، وسعيه الدؤوب لتنويع إيقاعاته، ورصد مكامن الجمال في الحياة للتعبير عنها بالكلمة المموسقة، فيما ذهب الشاعر غرم الله الصقاعي إلى رصد عتبات النص من عنوان وغلاف وإهداء ليتوقف طويلاً أمام تجريب الشاعر سابي، مطالباً أن يعتني الشاعر في قابل إصداراته بصورته الخاصة مع إشادته بامتلاك سابي ناصية اللغة وقدرته على الصياغة والابتكار، خصوصاً في نصوصه التفعيلية، آملاً أن يُعيد الشاعر النظر في عنوان المجموعة كون «أشواق صوفي» أبلغ في منح القارئ فرصة استقراء شخصية الصوفي بعيداً عن (ال) التعريفية مستعيداً المعنى الإيجابي للصوفية وحضوره في سياق المذاهب الإسلامية المعتبرة والحاضرة برموزها ومريديها، مؤكداً على أن التصوف ممارسة أكثر من كونه كلاماً، أو تنظيراً. من جانبه، وصف الكاتب علي الرباعي عنوان مجموعة الشاعر عبدالرحمن سابي «أشواق الصوفي» بالجاذب، نظراً لما يثيره من سياقات تاريخية واجتماعية وثقافية مرّت بها منطقة الباحة عبر عصور خلتْ، كون التصوف حداثة سابقة لاشتغاله على الرمزية، ومعنى المعنى والمترادفات القابلة للتأويل، مؤكداً أن تراثنا الجنوبي يوجب علينا أن نعترف في البدء دون تبرم أن أهلنا في هذه المنطقة مارسوا التصوف، وأن في جانبه الفولكلوري الموسمي، مستعيداً ما تحفظ الذاكرة من أهازيج أعياد عاشوراء، والمولد، ومنها (مرحبا جد الحسيني، مرحبا يا نور عيني)، إذ أن أجدادنا وآباءنا لم تعم عليهم الأنباء من أسلافهم، ونحن نتوارث هذا الحس التعبدي الوجداني، إذ لم تخل منطقتنا من التشيع أيضاً، وإن في حدوده الدنيا، ومن أوضح الدلائل على ذلك كثرة أسماء (علي، حسن، حسين) في الباحة، وهذا أمر طبيعي كون جبال السراة تقع بين زبيد عاصمة الفقه الزيدي والشافعي، وبين مكة مركز التصوف الأول تاريخياً، مشيراً بأنه لا يذهبُ بعيداً حين يرى أن الشاعر بن سابي تلبسته حالة الوجد الصوفي، ولجأ إلى ترميز الأشياء والأسماء لينفذ عبر «سريالية مؤمنة»، لا «صوفية كافرة» إلى ميناء التجلي، ليبحر بنا عبر نصوص مائية أعادتنا لنقاوة نصوص ابن الفارض، وابن عربي، والحلاج، وجلال الدين الرومي، وسعدي الشيرازي، مضيفاً أن لذة الكتابة في التعبير عن الذات بصدق وتجرد واستشعار هموم الذوات الأخرى باعتبار كل ما يحيط بنا جزء منا، مثمّناً لمقهى المساء ومالكه محمد ناحي كرم الدعوة من خلال أمسية التوقيع في المقهى، ما أشعرنا بحقيقة الشراكة الثقافية بين المثقف والقطاع الخاص ليجد المبدع نفسه في أحضان مجتمعه بعد أن عانى سنوات الإقصاء والتهميش وتوليف الاتهامات ضده ليترك الساحة لخطاب وعظي لايزال يرى نفسه متسيداً، كونه الحق والصواب، وهذا تلازم بين تنامي وعي المجتمع وبين إيمانه بالثقافة كشريك فاعل مع كل الخطابات الأخرى وعظية أم فكرية أم فنيّة وترفيهية.