يظن البعض أن المملكة هي الدولة الوحيدة التي تطبق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يعلمون أن دول العالم كلها تطبق معظم أو بعض مضامين ومقاصد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الموجودة لدينا، ولكن كل دولة تطبقه حسب معتقداتها الثقافية وأنظمتها القانونية لما هو معروف وما هو منكر لديها. انطلاقاً من هذا التصور فإنه حتى الولاياتالمتحدةالأمريكية تطبق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، رغم كثافة الصورة النمطية القاتمة التي يرسمها بعض أشخاص التيار الديني في المملكة عنها باعتبارها تمثل قمة التفسخ الأخلاقي والتحرر الشخصي المذموم. إلا أن الجانب الآخر المضيء الذي لا يستوعبه هؤلاء الأفراد، ولكن يعرفه ممن عاش في أمريكا أو في أي دولة أخرى تتمتع بنفس المستوى من الحريات الشخصية بأن هذا الأمر غير صحيح على الإطلاق. صحيح أنه لا يوجد جهاز حكومي مستقل في أمريكا لديه نفس المسمى الموجود لدينا، ولكن كثيرا من صلاحيات جهاز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السعودي يندرج تحت اختصاصات جهاز الأمن العام الأمريكي. فمن يستطيع مثلاً أن يتحرش بامرأة دون أن يتعرض لملاحقة قانونية لا تؤدي فقط إلى إيقاع أشد العقوبات عليه بل قد تودي بمستقبله الوظيفي والاجتماعي كما حصل مع رئيس النقد الدولي السابق الفرنسي دومينيك ستراوس، الذي رغم براءته من التحرش بعاملة فندق في نيويورك فإنه كان سبباً في إقصائه من منصبه. يختص رجال الهيئة عندنا بالعديد من الأمور كالتأكيد على إقفال المحال خلال أوقات الصلاة، ومكافحة السحر، لكن يولي للأمور الأخلاقية النصيب الأكبر من الاهتمام كالتحرش الجنسي والاختلاط بين الجنسين. هذا الاهتمام شيء محمود من حيث المبدأ، لكن المشكلة تكمن دائماً في التطبيقات التي أسست لصورة ليست بحميدة في أذهان الناس عن عمل بعض رجال الهيئة. في هذا السياق، يشكر كثير من الناس وأنا أحدهم النوايا الحسنة التي ينطلق منها رجال الهيئة عند أداء أعمالهم. إذ إن لهم مواقف مشرفة في جوانب مختلفة، لكن يحصل التصادم عند التقاء رجال الهيئة مع أفراد المجتمع بشكل مباشر كما هو حاصل في الأسواق مثلاً. فهنا يظهر بعضهم على أنهم حراس الفضيلة الوحيدون حتى ولو أدى بهم الأمر إلى التدخل في الشؤون الخاصة بالناس دون تقديم مبرر مقنع. فمثلاً ما هي مشاعر الزوج عندما يستدعونه أمام امرأته وأطفاله، ليطلبوا منه أن يأمر امرأته بالتستر أكثر رغم أنها متسترة جيداً ولكن مثلاً كاشفة الوجه فقط؟ هل يتصور رجال الهيئة المناوبين في تلك اللحظة، والذي لم تتوافق ملابس المرأة مع مقاييسهم الخاصة للفضيلة أن الزوج سيتقبلها بصدر رحب وروح رياضية عالية وكأن أحدهم قال له انتبه باب سيارتك مفتوح، أم أنه وبشكل فطري سيغضب ليس لتدخل رجال الهيئة الذين استرقوا النظر لزوجته، بل لأن هذا الأمر فيه انتقاص لرجولته أمام امرأته، بإعطاء رسالة بأنه غير قادر على حمايتها! ومن هنا تحدث الاشتباكات بين الناس وبعض رجال الهيئة التي قد تتطور إلى عواقب خطيرة. أذكر مرة أني شاهدت عائلات يجلسون في أمان الله في إحدى ليالي الجمعة حول قصر الحكم في الرياض وأطفالهم يلعبون أمامهم في الساحة المقابلة، وفجأة أطل عليهم (جمس) الهيئة يؤزهم أزا بصدام السيارة للمغادرة بشكل جلف، وكافٍ أن يطرح البغض في قلوب الحاضرين لهذه السيارة وأصحابها. أيضاً من تجاوزات بعض رجال الهيئة المزعجة، قيام بعضهم بالتلصص والتجسس أحياناً على حياة الناس الخاصة للإيقاع بهم، كمراقبة تحركاتهم وعمل مصائد وكمائن لهم وتفتيش جوالاتهم. وقد يحصل أن يوقعوا ببعض المخالفين، لكن السؤال: هل سوف ينزل المطر وتخضر الأرض بكشف ستر رجل أو امرأة مثلاً التقيا أو تحاكيا دون ضابط شرعي؟ أنا لا أبرر لهذه الأفعال المحرمة، ولكن أليس من الأجدر اتباع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم بعدم التحسس والتجسس. كادت مرة أن تصبح مذبحة بين صديق لي وأحد رجال الهيئة بعد تقصد الأخير له دائماً بالمتابعة والتفتيش، ورغم أن موظف الهيئة لم يجد مع صاحبي أي شيء، فإنه كان يكرر عليه بأن لديك شيء تخبئه وسأقبض عليك متلبساً يوما ما، ولم تشفع لصاحبي طول لحيته ومظاهر الاستقامة الدينية عليه. وأخيراً نال موظف الهيئة ما أراد فقبض على صاحبي وهو متلبس مع امرأة في مطعم، فهلل وكبر للقبض عليه متلبساً بالجرم المشهود، لكن المفاجأة أن هذه المرأة هي زوجة صاحبنا. وهنا تناوش الطرفان وكاد أن يتصاعد الموقف لولا تدخل العقلاء من رجال الهيئة وإخوة صاحبي للملمة الموضوع. انتشار رجال الهيئة الواسع في كل الأماكن، يعطي انطباعا سلبيا بأن شبابنا السعودي هم ذئاب بشرية لا يستطيعون أن يراعوا الالتزامات العامة إلا بوجود رجل الهيئة. بالفعل قد ترى تجاوزات أحياناً كبيرة، ولكن أدعو الهيئة أن يكونوا أكثر حكمة في معالجتهم لبعض الأمور كالمعاكسات مثلاً التي يرتكبها بعض أفراد المجتمع، وهم في الواقع ضحايا لمشاكل اقتصادية واجتماعية ليست من صنع أيديهم كالبطالة والعنوسة. ليس هدفي أن أتصيد أخطاء، ولكن مقصدي الأول هو المناصحة بأسلوب تفاعلي. خصوصاً، وأن الهيئة تدخل مرحلة جديدة مع الشيخ عبداللطيف آل الشيخ الذي تعلق عليه كثير من الآمال. لكن تظل نصيحتي لأفراد هذا الجهاز المهم، هو صرف النظر عن مشروع تحويل المجتمع السعودي إلى مجتمع ملائكي لا تحدث فيه الزلة أو الهنة، فأحيانا كثيرة يرجى دفع الضرر الأصغر فيوقع في ضرر أكبر. إضافة إلى ضرورة الجنوح لاستخدام الأسلوب التوعوي اللطيف في توجيه الناس لجادة الصواب اقتداءً بسنة الرسول عليه الصلاة والسلام.