من المفارقات التي كشفت عنها يوميات الثورة التونسية، أن الأطراف التي سارعت نحو تقديم دعم سريع لأول حكومة منتخبة بعد سقوط النظام الأسبق، وإن كان بأشكال متعددة لا يخلو من ربح وحسابات سياسية، هي جهات غربية بالأساس. في حين أن الدعم العربي -وتحديدا الخليجي منه- الذي راهنت عليه كثيرا هذه الحكومة التي تقودها حركة النهضة، ودار حوله جدل عاصف في أوساط المعارضة والمجتمع المدني في سياق انتقاد ما سمي بالدور القطري. هذا الدعم المتوقع بقي محدودا ودون انتظارات الشارع التونسي بكثير. إذ استثنينا الوديعة القطرية التي ستوضع تحت تصرف البنك المركزي التونسي، والتي حددت بنسبة فائض مرتفعة نسبيا (3 %) لمدة خمس سنوات، لاتزال بقية الوعود تنتظر الوفاء بها. في المقابل، عاد مؤخرا رئيس الحكومة من جولة قادته إلى كل من ألمانيا وإيطاليا، في مسعى منه للحصول على مزيد من الدعم الأوروبي، والإسراع في تنفيذ توصيات «المؤتمر الأوروبي – التونسي» الذي عقد في تونس مع نهاية أيلول (سبتمبر)2011 الذي انتهى إلى وعود مالية تناهز أربعة بلايين يورو (نحو خمسة بلايين دولار)». في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن ألمانيا هي الدولة الوحيدة التي قررت التخلي عن ديونها المقدرة بحوالي 83 مليون دولار أمريكي، وتحويلها إلى مشروعات استثمارية. كما قدم الاتحاد الأوروبي مساعدات متعددة. ومنحت اليابانتونس قرضا بفائدة ضعيفة لم تتجاوز نسبة 1بالمائة. كما أبدت الإدارة الأمريكية استعدادها لمساعدة تونس على رفع موازنتها، وذلك من خلال «منحها ضمانات قروض» تمكنها من الحصول على ديون من شأنها أن تساعدها على تغطية جانب من حاجياتها. وقد قامت واشنطن فعلا بمنح تونس ضمانات بثلاثين مليون دولار مما سيسمح لها بالحصول على قروض من السوق المالية العالمية يمكن أن تصل إلى حدود 500 مليون دولار. هذا يعني أن الدول الغربية جسدت عمليا رغبتها في دعم عملية الانتقال الديمقراطي في تونس، في ظل حكومة تقودها حركة النهضة، دون أن يعني ذلك تخليها عن مصالحها الحيوية. لقد فعل الغرب ذلك لاعتبارات إستراتيجية، راعى فيها مصالحه الحيوية الاقتصادية والأمنية والجيو سياسية. لكن ذلك لن يقلل من أهمية هذه المواقف في هذا الظرف الحرج من مسيرة الثورة التونسية. فالإدارة الأمريكية كانت من بين أوائل الحكومات التي سارعت بالترحيب بالتحول الذي حصل بتونس على إثر نجاح الثورة السلمية التي أطاحت بالرئيس بن علي. وقد خصص لها الكونغرس جلسة استثنائية، توجه خلالها الرئيس أوباما بخطاب حيا فيه التونسيين، وهنأهم بالثورة الفريدة من نوعها في التاريخ الحديث حسب تعبيره. وبالرغم من الدعم الذي كانت تقدمه الولاياتالمتحدة للنظام السابق، إلا أنها بالمقارنة بفرنسا الحليف الإستراتيجي التاريخي لتونس، كانت الأكثر إثارة لقضايا حقوق الإنسان والإصلاح السياسي في علاقاتها ب»بن علي». كما أن الإدارة الأمريكية الحالية أكدت في مناسبات عديدة رغبتها في العمل على إنجاح التجربة الديمقراطية في تونس رغم فوز الإسلاميين. وتكفي الإشارة في هذا السياق إلى ما أعلنت عنه وزير الخارجية هيلاري كلينتون أمام اللجنة الفرعية للمخصصات والعمليات الخارجية في مجلس الشيوخ يوم 28 فبراير 2012 فتح حوار بشأن التوصل إلى اتفاق للتجارة الحرة مع تونس. وقد سبق لهيلاري أن عدت ما حصل في تونس أكد عدم التعارض بين الإسلام والديمقراطية. في حين أن هذه الجوانب لم تثر انتباه الكثير من الأنظمة العربية، التي لا يستبعد أن يكون بعضها قد رأى فيما حصل بتونس علامة شؤم، وبداية لإغراق العالم العربي في حالة من عدم الاستقرار. تونس اليوم في حاجة إلى دعم عاجل، وأن يكون هذا الدعم غير مشروط، وأن توجه هذه المساعدات نحو امتصاص اليد العاملة في أوساط الشباب، وذلك نظرا للصعوبات الخطيرة التي تواجهها الحكومة التونسية بسبب عوامل هيكلية موروثة من المرحلة السابقة، إلى جانب ارتفاع سقف مطالب سكان المناطق المحرومة، حيث يقارب عدد العاطلين عن العمل 800 ألف. ولهذا سيكون من المفيد الإسراع بإعادة برمجة مساعدات مالية لتونس من شأنها أن تمكنها من تجاوز العجز في ميزانيتها للعامين المقبلين. وبالرغم من أن نسبة التداين الخارجي في تونس لم تتجاوز الخطوط الحمراء، حيث بقيت دون الأربعين بالمائة (36.9%) مقارنة بمصر التي قاربت الثمانين بالمائة، إلا أن ذلك لا يقلل من المضاعفات السلبية المنجرة عن التزام الحكومة التونسية بدفع فوائض هذه الديون في ظروف صعبة مثل التي يمر بها الاقتصاد التونسي اليوم. فالمؤشرات الراهنة تدل بوضوح على الانعكاسات السلبية المقبلة على نمو الاقتصاد بسبب ارتفاع عجز ميزانية 2011 واللجوء إلى التداين الخارجي لتمويل ميزانية 2012. فعجز الميزانية لعام 2011 سيصل إلى نسبة 6 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، مفيدا بأنّ حجم التمويلات المتبقية لهذا العام تقدّر بخمسة مليارات دينار. وبناء عليه سيتمّ توجيه موارد الاقتصاد من أجل تغطية هذا العجز في الميزانية، «بينما كان بإمكان هذه الموارد أن تذهب لتمويل الاقتصاد والمشروعات الاستثمارية. وهو ما من شأنه أن يدفع الحكومة إلى مزيد من التداين، مما سيعقد الوضع الاقتصادي، وفي صورة تجاوزت نسبة التداين بحوالي 60 بالمائة فإن كلفة ذلك ستكون قاسية، لأنها حسب الخبراء ستقلص من نسبة النمو بحوالي 1%». الخلاصة، أن الذي يقدم لك المساعدة في الوقت المناسب، يصبح صديقك بقطع النظر عن حساباته القديمة والجديدة. ومن هنا تأتي قيمة الالتفاتة الغربية، مقارنة بالتقصير العربي.