بعد الانتخابات البرلمانية التاريخية في مصر، دانت السلطات المصرية ممثلي أربع منظَّمات أمريكية غير حكومية في عدد من التُّهم المتعلِّقة بمحاولات التدخُّل في السياسة الداخلية للبلد وعدم التسجيل لدى السلطات المصرية. المنظَّمات الأمريكية الأربع هي «المعهد الجمهوري الدولي»، «المعهد الديمقراطي الوطني»، «بيت الحرية»، و»المركز الدولي للصحفيين». إدارة أوباما والإعلام الأمريكي ردُّوا باتِّهام المجلس العسكري المصري بانتهاج أساليب دكتاتورية وطالبوا بإسقاط التُّهم. الرئيس أوباما ذهب إلى حد إرسال الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، إلى القاهرة للقاء قادة المجلس العسكري والتوسُّط من أجل الناشطين الأمريكيين. إن قراءة الإعلام الأمريكي في الأيام التي أعقبت الإعلان عن الاتِّهامات تجعل المرء يعتقد أن الناشطين الأمريكيين كانوا مسجونين في زنزانة ويتعرَّضُون للتعذيب. في الواقع، كانوا فقط قد أُبْلِغوا أنَّهم لا يستطيعون مغادرة البلد إلى ما بعد انتهاء محاكمتهم. في النهاية، تم تأجيل المحاكمة وسُمح للأمريكيين في الأسبوع الماضي بالعودة إلى بلادهم. لكن تصرُّفات الحكومة المصرية كانت شرعية تماماً. بحسب مسؤول كبير في منظِّمة أمريكية غير حكومية أخرى، «المؤسسة الدولية للأنظِّمة الانتخابية»، المنظَّمات الأمريكية الأربعة كانت على الجانب الخاطئ لأنها لم تُسجَّل لدى الحكومة المصرية. المؤسسة الدولية للأنظمة الانتخابية سُجِّلت بشكل نظامي ومُنِحَت تصريحاً بمراقبة الانتخابات البرلمانية المصرية، ولم تواجه أي مشكلة مع السلطات المصرية. أعضاء المؤسسة الدولية للأنظِّمة الانتخابية الذين كانوا على الأرض في مصر شجَّعوا باقي المجموعات على التسجيل، لكن الآخرين ردُّوا بعجرفة أن الأمر لم يكن ضرورياً. بعد إعلان الاتِّهامات ضد المنظمات الأمريكية، قام رئيس إدارة الاستخبارات المصرية العامة، اللواء مراد موافي، بزيارة سرِّية إلى واشنطن لتقديم الأدِّلة ضد المنظَّمات الأربعة لمسؤولين في إدارة أوباما. على ما يبدو، تمَّ التوصُّل إلى اتفاق سرِّي بين واشنطنوالقاهرة لتسوية الأمر دون ضوضاء إضافية. لكن القصَّة الأعمق تستحقُّ الحديث عنها لأنه طالما أن منظَّمات مثل هذه المنظَّمات الأربع تستمرُّ في النشاط كمنظمات شبه سرِّية مؤيِّدة للثورة، فإن التأثير السلبي على صورة أمريكا في العالم الإسلامي والعالم النامي بشكل عام سوف يكون حاداً. في العقود الأولى من الحرب الباردة كانت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) تقوم بعمليات سرِّية للتأثير على السياسة الداخلية في البلدان التي تواجه احتمال وصول الشيوعيين فيها إلى الحكم. في السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية مباشرة، تدخَّلت وكالة الاستخبارات المركزية لمساعدة الحزب الديمقراطي المسيحي في إيطاليا على هزيمة الحزب الشيوعي في الانتخابات الوطنية. ونجحت جهود مشابهة في فرنسا. في عدة دول أفريقية، تدخَّلت وكالة الاستخبارات المركزية بشكل أكبر ونفَّذت عمليات اغتيال للقادة السياسيين اليساريين. في إيران، في 1953، اشتركت وكالة الاستخبارات المركزية مع الاستخبارات البريطانية (MI6) للانقلاب على حكومة مُصدَّق عندما تحرَّك لتأميم شركة النفط الأمريكية-البريطانية. في 1967، كشف مقال في مجلة (رامبارتس) أن وكالة الاستخبارات المركزية كانت تتدخَّل بنفس الطريقة داخل الولاياتالمتحدة، مستهدفة اليسار الجديد. ونتيجة لذلك تمَّ منع وكالة الاستخبارات المركزية من بعض هذه البرامج السرية. في 1982، مرر الكونجرس قانوناً يسمح بالاستعاضة عن وكالة الاستخبارات المركزية بمنظمات غير حكومية شبه مستقلة، وتم إنشاء وتمويل المؤسسة الوطنية للديمقراطية لنشر الديمقراطية حول العالم. وتم إنشاء منظَّمات مشابهة أخرى لنفس الغرض.لذلك فإن فكرة أن هذه المنظَّمات الأمريكية غير الحكومية كانت تعمل كبديل في العمليات السرِّية التي كانت وكالة الاستخبارات المركزية تقوم بها ليست نظرية مؤامرة. فكرة التدخُّل في السياسة الداخلية لبلدان ذات سيادة تبقى فكرة بغيضة حتى لو قامت بها منظَّمات غير حكومية بدلاً عن وكالة الاستخبارات المركزية. لم أرَ شخصياً الملف الذي قدَّمه اللواء موافي للمسؤولين الأمريكيين. ربما كان كثير من نشاط المنظات غير الحكومية بريئاً. ومع ذلك فإن المجموعات أظهرت عجرفة بعدم احترام القانون المصري. يمكن للمرء أن يقول إن المنظمات غير الحكومية كانت تحاول موازنة اللعبة الانتخابية التي كانت لصالح الإخوان المسلمين بشكل كبير. المنظمات الإسلامية الأخرى كانت ممولة بشكل جيد من خلال منظمات خيرية أجنبية لبرامج خدماتها الاجتماعية. لكن النتائج الانتخابية تظهر أن جميع المنظمات غير الحكومية في العالم لن تستطيع تغيير الحقائق على الأرض. مصر مجتمع متدين بعمق، ونتائج الانتخابات أعادت تأكيد ذلك. وزيرة التخطيط والتعاون الدولي فائزة أبو النجا كانت في طليعة المسؤولين الحكوميين الذين فضحوا نشاطات المنظمات غير الحكومية. في تسعينيات القرن العشرين، كانت مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة بطرس غالي. عندما كان بطرس غالي يسعى للحصول على فترة ثانية في نهاية فترته الأولى، تدخَّلت وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت للقضاء على إعادة ترشيحه لأنه لم يتبع الخط الأمريكي بما يكفي. اليوم، مادلين أولبرايت رئيسة المعهد الديمقراطي الوطني، إحدى المنظمات الأمريكية الأربعة التي تتعرَّض للمحاكمة في مصر. أحياناً يتأخر وقت تصفية الحساب، لكنه يكون حلوا في جميع الأحوال.