أمر مجهد حقا أن تنافس نفسك لتحقيق درجات أعلى من النجاح. الناجحون ليسوا بالضرورة الأكثر ارتياحا وسعادة خصوصا مع حالة التحفيز الدائم المناكف للراحة، بل الباعث على القلق كثيرا. في المقابل، قليلو الطموح فقط من يملكون القدرة على أن يجعلوا لأنفسهم دوما مكانا بين السعداء، وقديما (ليس قديما بالمرة) قال شاعر ما: «المستريح اللي من الهم خالي ما هو بلجات الهواجيس غطاس. وأي راحة حقيقية ذات طعم بلا كَبَد ولا عناء ولا تعب». مهرجان الجنادرية من بين أكثر مهرجانات المنطقة العربية نجاحا، بل النجاحات التى تتالت في السنوات القليلة الماضية تفوق كثيرا ما حققه المهرجان في نسخه العشرين الأولى، من حيث حجم الإقبال وتنوع العروض وتطور القرية التي تزدحم بها الأقدام والعقول، في الوقت ذاته، تقريبا، كل عام. على المستوى الثقافي، ما زال المهرجان يراوح مكانه منذ تسعينيات القرن الماضي؛ حيث العصر الذهبي للتأثير الثقافي لهذا المهرجان في تغيير نزر من الصور النمطية عند مثقفينا العرب على الأقل الذين تشكلت أمامهم عناوين مغايرة لإنسان هذه الأرض تتجاوز ما قولبوه عليه في كتاباتهم وشهاداتهم للتاريخ من كونه مجرد بدوي لا يملك وعيا ثقافيا كافيا لينتج ما يفيد به العالم. الجنادرية بحاجة لأن تتجاوز النجاح إلى التميز، والتميز الكامل خصوصا في ميدان الثقافة؛ حيث ميدانها الأصلي ومعناها القيمي الذي تسهم من خلالها، عبر هويتها التي تتشكل عاما بعد عام مع السنين بصوغ مشهد التنوير لعقول كثيرين في محيطنا الخليجي والعربي بحواراتها الثقافية وورشها الفكرية وأمسياتها الأدبية، من رواية وشعر وفنون تنزع إلى فضاء الإبداع، رغم منغصات تكاد تتيقن أنها مبرمجة، لكنك لا تجزم بذلك. إنها همسة عابر يرقب المشهد ولو من وراء حجاب… في زمن تتشاغب فيه الأفكار وتمور: استشرفوا مهرجان العام المقبل… الآن.