الطريقة التي نتلقى بها الحِكَم والمواعظ لها دور مهم في مدى التأثر والانصياع للحكمة آنذاك. كثيراً ماقد نسمع حكمة يرددها البعض وقليلاً ما تظل تلك الحكمة عالقة في الذهن. في صباح يوم باكر قام والدي بإشعال الحطب للتدفئة كما نعلم أن فاكهة الشتاء النار، ومن ثم لصنع الفطور المحبب لمعدتي ذي المكونات البسيطة، وهي عبارة عن البر والماء بعد عجنهما ووضعهما على الفحم ثم إضافة العسل والسمن وبعد أن أوشك البر على الاستواء سألني والدي مناولته قرعة السمن المصنوعة من المعدن فكان السمن متجمداً نتيجة الطقس البارد. أخذ والدي قرعة السمن ووضعها على الفحم كي يذوب السمن ونسينا سهواً أن نرفع الغطاء كي لا ينضغط الهواء ويكون من الصعب رفع الغطاء، بعد ذلك أخذ والدي القرعة وحاول رفع الغطاء ولكن لم يستطع فسألته المحاولة فناولني إياها فبدأت بالمحاولة بكل قوة حيث إنني ثبتها على حائط الموقد وقمت بضغطها مُحاولة تحريك الغطاء يميناً أو يساراً، محاولة رفع الغطاء ولكن ما من جدوى، فجربت أن أكون شبه واقفة كي ترتكز القوة فلم تُحدث قوتي في الأمر شيئاً، بعد أن رأى والدي محاولاتي التي باءت بالفشل، وبعد أن رأى كيف قمت بالتقاط أنفاسي بسرعة طلب أن أعيد القرعة إليه مجدداً فناولتها إياه، أخذ «الملقط» الفحم وبحركة بسيطة قام بتنسيم الهواء عن طريق رفع جزء من الغطاء ثم رفع الغطاء بكل سهولة في ثانية وبجهدٍ أقل، وقال «شفتي يا بنتي القوة ما تنفع» في ذلك الوقت أُصبت بالدهشة والانذهال لا أعلم ما السبب ؟! هل لأنني حقاً أدركت أن القوة أحياناً ضعف؟ أو هل لأن الموقف الذي تلقيت منه الرسالة كان معبراً للدرجة التي فاقت جمال الحكمة نفسها؟ لا أعلم لماذا ولكن ما كنت أعلمه ومتأكدة منه أن هذه المقولة التي ذيلت الموقف ظلت عالقة في ذهني حتى اليوم؛ حقاً أدركت بأن القوة ضعف وأن الضعف قوة كما لو أن كليهما وجهان لعملة واحدة، ولا يغيب عن البال قول الله تعالى «الله الذي خلقكمْ مِن ضعفٍ ثم جعل مِنْ بعد ضعفٍ قوة ثم جعل من بعدِ قوةٍ ضعفاً وشيبةً يخلقُ ما يشاءُ وهو العليمُ القدير»، فقد أوضح الله جل جلاله أن بعد الضعف قوة وبعد القوة ضعف، وأضحت مقولة والدي ذا أثر كبير على ضبط تصرفاتي وانفعالاتي في بيئة المنزل أو العمل.