تقول النكتة الواقعية إن الأطباء السعوديين في حراكهم الأسبوع المنصرم في تويتر حول حرمانهم من بدل الندرة تساءلوا عن سر عدم وصولهم للترند؟! ثم تذكروا أنهم لندرتهم لم يستطيعوا الوصول له. أصبح ملف الطبيب السعودي معقدا ومربكا لصاحب القرار ومضرا بالكفاءات الوطنية المؤهلة وكان بالإمكان ألا يكون الأمر كذلك لو تم التوجه للبعد الأعمق في أساس المشكلة. ونحن مقبلون على تحول وطني يمس الصحة نجد تغييبا تاما لهذا الملف وأثره على نجاح البرامج المزمع تنفيذها، وهذا في حق الطبيب السعودي وفي حق غيره من الفئات الفنية الأخرى. أنا أسأل صاحب القرار عن المنطق الذي يتم التعاطي به مع الطبيب السعودي، هل هو منطق تشرذم الخدمة الطبية في الوطن تحت مؤسسات مختلفة؟ فهذا يقتضي أن تتاح الحرية للأطباء بالحركة وفقا لذلك بدل تعطيل الكفاءات وحصرها في مكان واحد قد لا يلبي طموح الطبيب في ممارسة تخصصه. أما إن كان المنطق هو توحيد مظلة الخدمة الطبية من حيث التشريع والأنظمة فهذا يقتضي العدالة في إعطاء الميزات الوظيفية والمالية والنظر لجغرافيا الوطن بنفس مساحة الاهتمام العادل دون تحيز. الطريف المحزن أننا لا ندري إلى أي منطق ننتمي وإن الواقع الخدمي مليء بالتناقضات الفاخرة. وهنا استعراض سريع لأبرز الإشكالات التي يعاني منها الطبيب السعودي: – حرمان الطبيب السعودي من بدل الندرة والجدل المؤسسي حول استحقاقه له محزن فعلا خاصة فئة الاستشاريين، ومع كل الإحصاءات التي تنشر في وسائل الإعلام سأعطيكم مثالا وهو (معلومة وليس رأيا). لكم أن تتخيلوا في منطقة طرفية عدد سكانها قارب المليون لا يوجد على ملاك وزارة الصحة هناك سوى عشرة استشاريين كل واحد منهم وحيد في تخصصه، فضلا عن الأعباء الفنية الأخرى من لجان وهيئات طبية وشرعية وغيرها من المسؤوليات التي لا تتم نظاما دون وجود طبيب استشاري سعودي. وهنا أقول مرة أخرى لصاحب القرار الوطن ليس الرياضوجدة والدمام فقط. – تشظي الانتماء والامتيازات داخل المؤسسة الواحدة رغم وحدة التأهيل والتدريب والاعتراف المهني معيب جدا، فطبيب الخدمة المدنية يعاني حسم بدل التفرغ عند التقاعد ويصاب راتبه بأنيميا حادة مقابل طبيب التشغيل الذي راتبه كله أساس ولا يعاني من تلك السلبية عند نهاية خدمته. – الأطباء السعوديون في الجامعات الناشئة معاناتهم كبيرة مع الإشكال المالي والوظيفي وعدم وجود مستشفيات جامعية ليقوموا بمهام التعليم على الوجه الصحيح وهذا إضرار مزدوج بالطبيب الأستاذ وبطبيب المستقبل. عندها أرجوك لا تحدثني بتنظير ممل عن سر عدم جاذبية تلك المناطق وانحياز التنمية البشرية. – لا أفهم سر عدم السماح لأطباء وزارة الصحة بالعمل في القطاع الخاص، رغم السماح لزميله أستاذ كلية الطب!. لو كنت مسؤولا وأفكر بعقلية اقتصادية ترشيدية لأصدرت فورا أمرا بالسماح لكل الأطباء السعوديين الاستشاريين بالعمل في القطاع الخاص ففوائد ذلك على المريض والطبيب وعلى المؤسسات الصحية كثيرة جدا، وإذا كنت مهموما بفئة قليلة قد ترتكب مخالفات فلن يعجزني نظام أطبقه بعدالة على الجميع. لست في مجال لتزكية الطبيب السعودي/ الطبيبة السعودية، فهذا يأتي من غيرهم ممن تلقى الخدمة منهم، لكن واقع الحال يقول إن الطبيب السعودي في موقعه صمام أمان ومصدة لكثير من الخلل والمشكلات، وهو في نهاية المطاف لا يطلب إلا أن يعامل باحترام وعدالة وحفظ للكرامة التي قد يهدرها نظام قاصر أو تطبيق مغلوط.