لم يدر في خلد الطفل الغزاوي نايف قرموط (14 عاما) أن تكون خطواته إلى المدرسة هي الأخيرة، وأن غدر الاحتلال يتربص بخطواته في هذه اللحظة كي يفتك به، فبعد أن غادر قرموط بيته انضم لعمه صالح، الذي هو في نفس عمره، وأصدقائهما في طريقهم إلى المدرسة، وأصوات طائرات الاستطلاع التي تتلبد بها سماء بلدة جباليا شمال قطاع غزة تصم الآذان، ووقع أصوات الانفجارات يدوي بين الحين والآخر. في منتصف الطريق للمدرسة، أطلقت طائرات الاستطلاع المزودة بصواريخ مضادة للأفراد صاروخا باتجاه عمه صالح (14 عاما)، وخمسة من أصدقائه ما أدى إلى بتر قدمي صالح وإصابة أصدقائه الخمسة بجروح، إصابة اثنين منهم بالغة الخطورة. المشهد الصادم لطفل في عمر نايف لم يجعله يتردد في مساعدة عمه وأصدقائه، فسرعان ما دفعته الحماسة دون أن يفكر في المخاطر إلى الجري مسرعا نحوهم، وقبل أن يصل عاجلته طائرات الغدر الإسرائيلية بصاروخ آخر ما أدى إلى استشهاده على الفور. حاولت «أم نايف» حبس عبراتها وإظهار عظمة الأم الفلسطينية في الثبات والصمود، لكن دمعاتها الساخنة كانت أسرع من كلماتها ل «الشرق» فانسالت على خديها وهي تقول «نايف ابني البكر، وأول فرحتي، ذهب إلى المدرسة كعادته كل يوم، ولم أتوقع ما حدث له، فكان قلبي يهوي كلما كنت أسمع صوت انفجار، وأدعو الله ألا يزرع الحسرة في قلب أم على ابنها». وتعبر أم نايف عن فاجعتها في استشهاد ابنها عند استقبالها خبر موته وإصابة عمه ببتر قدميه، وتقول بصوت الأم المكلومة وفي حلقها غصة «أصابتني الصدمة ولم أستطع الوقوف على قدماي، وأوشكت على الانهيار، وأشعر بالأسى الشديد يعتصر قلبي، لكن ماذا عساي أن أقول فقد احتسبته عند الله شهيدا». جدته، الحاجة يسرى قرموط، التي فقدت وعيها بعد سماعها نبأ استشهاد حفيدها وبتر قدمي ابنها، لم تجد من الكلمات ما تعبر به ل «الشرق» عن ألمها وحسرتها لفقدان نايف وإصابة عمه، وبعد صمت طويل قالت «مصابي في اثنين، الأول استشهد والثاني أصيب ببتر في قدميه، حسبي الله ونعم الوكيل». وتصف الحاجة يسرى المشهد المؤلم للأطفال المصابين ومحاولة نايف إنقاذ عمه بأنه لا يمكن أن يتحمله إنسان لديه ذرة من الإنسانية، وتضيف «حمل صالح قدميه المبتورتين بكلتا يديه وهو يطلب المساعدة من ابن أخيه نايف، لكن قبل أن يصل إليه عاجله صاروخ من طائرة استطلاع إسرائيلية ما أدى لاستشهاده على الفور». وتتابع قائلة «أكثر ما أثر بي أنهم عندما حملوا الأطفال المصابين كان بعضهم مُقطَّعا وحقائب المدرسة معلقة على ظهورهم».وتتساءل «هل هناك فظاعة أكثر من ذلك؟ وهل هناك وحشية أكثر من وحشية الاحتلال الذي لا يفرق بين طفل وامرأة ولا مقاوم أو مسالم؟». يشار إلى أن العدوان الإسرائيلي على غزة خلال الأيام الثلاثة الماضية أدى لاستشهاد عشرين فلسطينيا بينهم ثلاثة أطفال، وإصابة أكثر من 68 جريحا، بينهم عدد كبير من الأطفال.