في منتدى جدة الاقتصادي الثاني كان من بين المتحدثين بروفسور أمريكي، أذكر أنه تحدث عن ما يرى أنها شروط لا بد منها للتنمية الحقيقية. ومع توالي السنون والأحداث تبخرت من الذاكرة تلك الشروط ما عدا الأخير منها، فلا يزال يتردد صداه وكأنني سمعته بالأمس. يقول: «.. أما الظرف أو الشرط الأخير للتنمية الاقتصادية فأقول إن سكان ولاية نيوهامشر في أمريكا اختاروا لولايتهم الشعار التالي ( إما الحياة بحرية أو الموت live free or die)». لهذا الشعار تاريخ يستحق الذكر. ففي عام 1809م دُعي الجنرال ستارك، أشهر أبطال حرب التحرير من ولاية نيوهامشر، لحضور حفل قدامى المحاربين ممن شاركوا في موقعة (بيننقتون) الفاصلة، وقد اعتذر عن الحضور لظروفه الصحية، وأوصى بأن تُقرأ العبارة التالية في الحفل نيابة عنه: «إما الحياة بحرية أو المنية..الموت ليس أسوأ الشرور». وفي ذات السنة أقرت ولاية نيوهامشر عبارة (إما الحياة بحرية أو الموت) شعاراً لها. وفي عام 1971م أصدر برلمان الولاية قانوناً يُلزم أصحاب السيارات المسجلة في الولاية بكتابة هذا الشعار على لوحاتها. وفي عام 1977م أبطلت المحكمة العليا هذا القانون بعد أن أصر مواطن من طائفة دينية متشددة على تغطية كلمة (أو الموت) بذريعة أن دينه يمنعه من الموت مُقابل الحرية. على أن لهذا الشعار تاريخاً أبعد من ذلك. ففي عام 1775، أي قبل استقلال أمريكا، ألقى رئيس برلمان ولاية فرجينيا كلمة ورد فيها: «هل الحياة غالية أو أن طعم السلام لذيذ إلى درجة شرائها مقابل القيود والعبودية؟ لا قدر الله ذلك. أنا لا أعلم ما يشعر به الآخرون، ولكن بالنسبة لي: أعطني الحرية أو أعطني المنية».