خلال قراءاتي لعديد من الأعمال المسرحية لإعداد برنامج «المسرح العالمي» الإذاعي، تعاملت مع أشهر النصوص المسرحية العالمية، وتشكلت لدي ذائقة فنية في انتقاء النص وقراءته ومعالجته دراميّاً وإتقان مفاجآته، من بين النصوص التي استفزتني في المسرح العالمي، أعمال فيلسوف المسرح الكاتب النرويجي هنريك أبسن الذي يكنى بفيلسوف المسرح، وبالتأكيد أعمال رمز المسرح ورائده وليام شيكسبير. كنت أمام تراث ذاخر من النصوص المسرحية الخالدة، قدمت في البرنامج أعمالاً تناولت تاريخها وتجربة مؤلفها وأعددت دراميّاً أهم مشاهدها وأهم الشخصيات المؤثرة فيها، وتأكد لي أن لمسرح هنريك أبسن تشكيلاً بنيويّاً مختلفاً، لا أبالغ إن قلت إنه تفوّق به، على إبداع مسرحيين عالميين كبار، منهم شكسبير، بريخت، موليير وتشومسكي، عندها أدركت حقيقة ما ذهب إليه الناقد ستاين إيريك في تحليله لأعماله، التي مكنته من أن يأخذ مكانة مرموقة بين الكُتّاب المسرحيين العالميين رواد القرن التاسع عشر. مسرحيات أبسن تفيض فكراً وإبداعاً، فبواقعيته الساحرة صور الحياة المعاصرة وكشف الأكاذيب والوجوه الملونة في المجتمع البرجوازي الأوروبي، كنموذج يمكننا تطبيقه في كل المجتمعات بمقاييس ومعايير مختلفة. هو حقّاً صاحب مذهب الواقعية في الدراما المسرحية، بدا فيه متأثراً بالفيلسوف الألماني كيركجارد، إلى الحد الذي جعله يتبنى فلسفته ويتمثل تطبيقها عمليّاً على لسان شخصياته المسرحية، وهذا ما جعل أعماله، بلا استثناء ذات بُعد فكري وفلسفي. وقد اعتاد أبسن إحاطة شخصياته بشيء من الخصوصية في تركيباتها السيكولوجية والاجتماعية، فبرع في رسم شخصياته بشكل دقيق وبحرفية عالية، في أهم مسرحياته «بيت الدمية»، «أعمدة المجتمع»، «البطة البرية»، «الأشباح» وغيرها. من الطبيعي أن يكون البرنامج نخبويّاً موجهاً لفئة من المثقفين المهتمين بإبداع المسرح والمبدعين في قراءة تحليلاته الفنية. وكان لابد أن يتضمن نصوصه الخالدة، التي يذخر بها المسرح الشيكسبيري، وهو مسرح عريق، وتعد نصوصه من أهم مصادر الفن المسرحي العالمي، وبالرغم من أنه مسرح تقليدي وله لغته الخاصة المعقدة، إلا أننا لو نظرنا إلى تلك الأعمال كإرث ثقافي، لوجدنا أن كل نص من نصوصه المسرحية الخالدة بدءاً من روائعه «عطيل»، «هملت»، «تاجر البندقية»، «روميو وجوليت» و»يوليوس قيصر» يعد كنزاً أدبيّاً مازال التواصل معه ومواصلة قراءته على وجوهه المختلفة خالداً بخلود تلك الأعمال، ورائعة شكسبير «هملت» استمر تمثيلها وأداء مختلف أدوارها على خشبات المسرح في مختلف دول العالم بمختلف اللغات لأكثر من قرن، وستظل كذلك قرناً آخر. وليام شيكسبير عبقري يصعب تحديد عبقريته بمعاييرنا النقدية الفنية الحالية، وهو الذي أنطق هذه العبقرية ما يقوله من حكم وعبارات على لسان شخصيات مسرحياته ورواياته الخالدة التي أذهل بها العالم وهو الذي جعل المسرح الإنجليزي على حد قول النقاد فنّاً عالميّاً مذهلاً.