من يوقف المهازل الإعلامية ولو بصورة مؤقتة حتى نجتاز ما نمر به من مخاطر وتحديات؟؟ من يستطيع أن يقف في وجه قنوات خرجت عن المسار وحادت عن الطريق وتجاهلت المخاطر، وتجاوزت دورها في بناء الوعي وأصبحت حاضنة للمهازل الفنية والإعلامية، وبدلا من أن تقدم لنا نماذج يتماهى بها المواطن في الفكر والثقافة والرقي الفني، أصبحت تلك القنوات تخرج لنا: (فاشينستا)، ومهرجين وأدعياء فن وإعلام، وتستغل طالبي الشهرة والتواقين إلى النجومية من أجل أهداف مادية بحتة. إحدى تلك الفضائيات تعرض برنامجاً لأحلام هو الأول من نوعه ليس في القيمة أو المضمون أو الرسالة، ولكنه الأول في تسويق صور هزيلة وشحيحة لمظاهر شكلية وقيم دخيلة وثقافات غريبة على مجتمعاتنا العربية عامة والخليجية، خاصة أنه الأول في رعاية مجد زائف ونجومية خافتة وفي كيفية استعراض الأشكال السطحية والشخصيات المفلسة والنماذج الخاوية لنفسها وفي كيفية تعبيرها عن ذاتها. نماذج طفت على سطح مياه المشاهد العربي برعاية وهدهدة ودعم وتوجيه من أموال وإمكانيات قنوات رائدة، فالقناة تقدم للمشاهد، الحياة على الطريقة الحلومية، حينما تكون النعمة طريقا للمباهاة، وشكلا للتفاخر، ووسيلة للاستعراض، وسببا في الكشف عن الخلل الذي تعاني منه شخصيات تركل كل القيم بحذائها، وتتطاول على حياة الآخرين، وتغزوها بالاستفزاز المادي والاستعراض والمباهاة بحياة المادة، والبذخ والثراء، وكأن القيمة والتقديس للمادة ولا شيء غيرها لنكون برسم المادة وتقديس أصحابها والانبهار بحياتهم والبصق على كل شيء دونها. لم تكتف أحلام بالصحف والمجلات التي تكسب ود أحلام بالطريقة الوحيدة التي تعرفها وتتفقه فيها أحلام، وأعني الحديث عن الممتلكات والمجوهرات والأحذية والملابس والماكياج، وبدلا من أن يقوم الإعلام بكشف وتعرية هذه النماذج السطحية التي تقدم الفن على طبق والسفاهة والسطحية والقيم المرفوضة والمادية المتوحشة والمبادئ المترهلة الثقافات المسمومة باليد الأخرى، وتوعية المشاهد العربي بخطورة القيم التي تروج لها هذه النماذج التي تجعل من المادة الهدف والوسيلة والغاية، بالدوس على كل القيم الأخرى، ليكون الإنسان مسعورا بالمظاهر محموما باقتناء السلع، نرى الإعلام الجاد أصبح شريكا أساسيا في هذه الحملة المقننة والممنهجة على المواطن العربي، يبحث عن النماذج المهووسة، المصابة بالنرجسية، وبداء الاستعراض، ويرعاها ويقدم لها الفرصة تلو الأخرى لتكون نصيرا له في نشر قيم دخيلة وثقافات سلبية وسلوكيات مرفوضة ليصبح إعلاما ماديا متوحشا، نهما، يبحث عن الصورة البراقة، مهما كان ما تحمله من وباء وأمراض اجتماعية، تهدد المجتمعات بالخلل وبالاضطرابات، فها هي وهكذا بكل ببساطة تتكرس قيم، وتظهر ممارسات لا تمت إلى المجتمعات الخليجية والعربية. ولكي تكتمل المهزلة صدمتنا لجين عمران بقرارها أن تنطلق في ماراثون سباق الاستعراض دون مراعاة لدورها كإعلامية اكتسبت محبة وجماهيرية وتقديرا، ولكنها وفي لحظة فارقة انسلخت عن كل معاييرهما وجعلت من حياتها الخاصة منبرا عاما، وهي تحتفل بعيد ميلادها بشكل مبهر، مكوناته مزيج من عقم الحصافة وتبلد الإحساس، واستفزاز المشاعر وإخراج اللسان. وهي حالة تتوافق تماما مع حالة أحلام، ويبدو أن الخليج أصبح المصدر الأول لمثل هذه الصور التي كنا نستهجنها ونرفضها ونحاربها، فأتى من يسوق لها. لجين تتجمل بنفس الرداء الرث من الاستعراض النرجسي للممتلكات والمعارف وجوقة المطبلين والمصفقين، لتكون ظاهرة المجاملات والمدح والثناء لعبقريتها وأمجادها ومسيرتها الإعلامية العامرة التي نقلتنا نحن العرب من عصر الجهل إلى عصر التنوير!!! في توقيت علني يقول: إن هناك المشرد واللاجئ والفقير والمحتاج، وهنالك من يموت غرقا وهو الهارب من موت القذائف، وهنالك من تهدم بيته وفقد أهله وذويه. لكل شخص الحق في أن يمارس حياته بكل الطرق والوسائل التي يريدها ولكن بعيدا عن الأضواء وعن المباهاة وعن استعراض مظاهر البذخ، فما زلنا مجتمعات لها قيم وخصوصية ومبادئ، ما زال هنالك من يتألم ومن يحزن ومن يشعر بمعاناة الآخرين ومن يحترم حاجة وفقر من لا يملكون، فلا يستفزونهم بصور ولا يستفزون مشاعرهم ببذخ. النجاح قيمة ومسؤولية، وما أقذر أن يكون النجاح والشهرة والنجومية غايات البعض لسحق الإحساس، وضرب القيم والتحلل من المبادئ والانطلاق في سباق محدثي النعمة للتباهي والتفاخر بأننا نملك وبأننا نستعرض ما نمتلكه ولو كان حب الآخرين لنا. حمرة من الخجل قد تنقذنا، فليس كل شيء مباح لنقول إننا ناجحون ومحبوبون وأثرياء، ثراؤكم لكم وقيمنا لنا.