اشتهرت الفلسفة بممارسة السؤال، وأشهر الفلاسفة هو سقراط «أبو الفلسفة» الذي وُصِفَ بأنه مَنْ أنزل الفلسفة من السماء إلى الأرض، فجعل محورها الإنسان، واعتمد العقل في التدليل على حقائق الموجودات وطبائعها، وهو ما جعل الفلسفة اليونانية مختلفة عن الأوروبية التي ذهبت إلى النقد لا التمحيص، وربما ارتبطت الفلسفة في أذهاننا برموزها الأوائل سقراط، ثم أرسطو، ثم أفلاطون، ذلك لأننا بالفعل لم نعرفها عن غيرهم، وكأن تاريخ الفلسفة كان محصوراً في أولئك الثلاثة، يعود ذلك الحصر إلى مجموعة من الأسباب، منها استمرارية الفلسفة، والسؤال الفلسفي في البحث والاكتشاف، والتحقق في كل زمان ومكان، والسبب الثاني كوننا من تراث يخشى الفلسفة والفلاسفة، ويهاب السؤال الذي لا يمكن الإجابة عليه بمجرد وجود النص الديني، أو الرأي الفقهي للظاهر من الفهم لا أعمق من ذلك. سألني ابني عبدالرحمن: أين تعيش الصين؟ ضحكنا من صيغة السؤال، ثم تساءلت عن الدافع إليه بهذه الصيغة؟ ثم تذكرت أن الأطفال معرَّضون للدهشة باستمرار، وما الفيلسوف إلا طفلٌ كبير، لذا تزعجنا كثرة أسلتهم، وكما قال أرسطو، إن الدهشة أصل التفلسف، لذا اهتم الفلاسفة بالسؤال بصفته شرطاً للتفكير، وحثيثاً إلى التأمل، وما إثارة السؤال بشكل صحيح إلا أولى الخطوات إلى الفلسفة التي تبرر كل الأسئلة، وتمنحها المشروعية، أو كما يقول بلانشو «بحثٌ عن الجذورِ وحفْرٌ في الأسس وتَقَصٍّ للأصول وغوصٌ في الأعماق». ذلك شيء من بعض شيء يمكننا الانطلاق منه إلى حيث كثير من مشكلاتنا المعرفية الحالية، وضعف قدرتنا على الإبحار في معارفنا التنويرية رغم ثبوت مصدرها، وإيماننا بها، وعمقها الذي هو أكبر بكثير من سطحيتنا المعتادة في فهم الأشياء.